كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاقِعَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الْوَصْفُ فِي حَقِّهِ اهـ.
فَفِي إدْخَالِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا فِي الْكَفَاءَةِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ الْمُمَاثَلَةُ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَقَطْ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا شَرْعًا الْمُمَاثَلَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى.
وَأَمَّا السَّادِسُ فَالْكَفَاءَةُ فِي الْحِرْفَةِ بِالْكَسْرِ وَهِيَ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَافِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ بِالصِّنَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الصِّنَاعَةُ الْحِرْفَةُ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحِرْفَةَ أَعَمُّ مِنْ الصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْ التَّمَرُّنِ عَلَى الْعَمَلِ وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحِرْفَةِ دُونَ الصِّنَاعَةِ لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحِرْفَةُ بِالْكَسْرِ الطُّعْمَةُ وَالصِّنَاعَةُ يُرْتَزَقُ مِنْهَا وَكُلُّ مَا اشْتَغَلَ الْإِنْسَانُ بِهِ وَهِيَ تُسَمَّى صَنْعَةً وَحِرْفَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ حَقَّقَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي الصَّنَائِعِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا وَهِيَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَرْكُهَا يَبْقَى عَارُهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا وَفِي رِوَايَةٍ، أَوْ دَبَّاغًا: قَالَ مَشَايِخُنَا وَرَابِعُهُمْ الْكَنَّاسُ فَوَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْدَ هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحِرَفَ مَتَى تَقَارَبَتْ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ وَتَثْبُتُ الْكَفَاءَةُ فَالْحَائِكُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحَجَّامِ، وَالدَّبَّاغُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْكَنَّاسِ وَالصَّفَّارُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحَدَّادِ وَالْعَطَّارُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْبَزَّازِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
فَالْمُفْتَى بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَفَاءَةِ فِي الصَّنَائِعِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِكَوْنِهِمَا مِنْ صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنَّ التَّقَارُبَ بِمَنْزِلَةِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَائِكُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَطَّارِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِمَا هُنَاكَ مِنْ حُسْنِ اعْتِبَارِهَا وَعَدَمِ عَدِّهَا نَقْصًا أَلْبَتَّةَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا خَسَاسَةُ غَيْرِهَا اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ كُفُؤًا لِبِنْتِ التَّاجِرِ فِي مِصْرَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَظِيفَةً دَنِيئَةً عُرْفًا كَسَوَّاقٍ وَفَرَّاشٍ وَوَقَّادٍ وَبَوَّابٍ وَتَكُونُ الْوَظَائِفُ مِنْ الْحِرَفِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَرِيقًا لِلِاكْتِسَابِ فِي مِصْرَ كَالصَّنَائِعِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ لَهُ وَظِيفَةُ تَدْرِيسٍ أَوْ نَظَرٍ يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْأَمِيرِ بِمِصْرَ وَفِي الْقُنْيَةِ الْحَائِكُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الدِّهْقَانِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَقِيلَ هُوَ كُفْءٌ اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ غَلَبَ اسْمُ الدِّهْقَانِ عَلَى مَنْ لَهُ عَقَارٌ كَثِيرَةٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُنَا جِنْسٌ أَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ الَّذِي يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ يُدْعَى شَاكِرِيًّا وَتَابِعًا وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ مُرُوءَةٍ وَمَالٍ فَظُلْمُهُ خَسَاسَةٌ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالشَّاكِرِيَّةِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِأَحَدٍ إلَّا لِأَمْثَالِهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ هَؤُلَاءِ الْمُتْرَفِينَ هَكَذَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْكَفَاءَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَأَبِيهَا وَأَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُهَا وَقْتَ التَّزَوُّجِ فَلَوْ كَانَ دَبَّاغًا أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ تَاجِرًا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَ تَاجِرٍ أَصْلِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا، لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّنْعَةَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَرْكُهَا يَبْقَى عَارُهَا يُخَالِفُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأُمُورِ السِّتَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهَا فَلَا عِبْرَةَ بِالْجَمَالِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَقْلُ فَالْمَجْنُونُ كُفْءٌ لِلْعَاقِلَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبَلَدِ فَالْقَرَوِيُّ كُفْءٌ لِلْمَدَنِيِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا التَّاجِرُ فِي الْقُرَى يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ التَّاجِرِ فِي الْمِصْرِ لِلتَّقَارُبِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَنَا فِي السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ كَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْبَخَرِ وَالدَّفْرِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفُؤًا لَمْ يُفَرَّقْ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ
ــ
[منحة الخالق]
الْمُحْتَرِفِينَ قَوْلُهُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَا.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ حَقَّقَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) أَقُولُ: وَقَالَ أَيْضًا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا الْحِرْفَةُ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِيهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ بَنَى الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّ مَوَالِيَهُمْ يَعْمَلُونَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يَقْصِدُونَ بِهَا الْحِرَفَ فَلَا يُعَيَّرُونَ بِهَا وَأَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبِلَادِ وَأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ حِرْفَةً فَيُعَيَّرُونَ بِالدَّنِيءِ مِنْ الصَّنَائِعِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ اهـ.
قُلْتُ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْعَرَبَ إذَا كَانُوا يَحْتَرِفُونَ بِأَنْفُسِهِمْ تُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرْفَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّنْعَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُخَالَفَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِهِ كُفُؤًا وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ وَهُوَ بَقَاءُ عَارِ الْحِرْفَةِ السَّابِقَةِ وَاعْتِبَارُهَا وَقْتَ الْعَقْدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْتَهُ كُفُؤًا ثُمَّ صَارَ فَاجِرًا دَاعِرًا لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا وَإِنْ تَنَاسَى أَمْرَهَا لِتَقَادُمِ زَمَانِهَا كَانَ كُفُؤًا لَكَانَ حَسَنًا
(قَوْلُهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ الْفَقْرِ وَدَنَاءَةِ الْحِرْفَةِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُونَ بِتَزْوِيجِ الْمَجْنُونِ أَكْثَرَ مِنْ دَنِيءِ الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ وَفِي الْبِنَايَةِ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يَكُونُ الْمَجْنُونُ كُفُؤًا لِلْعَاقِلَةِ وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ هُوَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَسِخُ بِهَا النِّكَاحُ.