الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ إذَا رَأَيْتُمْ عَبْدِي هَذَا يَتَّجِرُ، فَإِنِّي لَا آذَنُ لَهُ ثُمَّ رَآهُ يَتَّجِرُ فَسَكَتَ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَعْلَمَهُمْ بِالنَّهْيِ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ بِالسُّكُوتِ. اهـ.
وَلَوْ عَبَّرَ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ السُّكُوتِ لَكَانَ أَوْلَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَامًّا لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) وَعَبَّرَ بِالْفَاءِ دُونَ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّفْسِيرَ وَلَوْ قَالَ: فَإِنْ أَذِنَ بِعُقُودٍ لَا يَعْقِدُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْإِذْنَ الْعَامَّ، وَالْخَاصَّ، وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ الْأَوَّلِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ يَكُونُ عَامًّا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ اسْمُ جِنْسٍ مَحَلًّا بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ فَكَانَ عَامًّا فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَعْيَانِ كَمَا لَوْ أُعْطِيَ الْعَبْدُ ثَوْبًا وَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ كَانَ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ، فَإِذَا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْقَاضِي وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التِّجَارَةِ الِاسْتِرْبَاحُ وَهَذِهِ خَاسِرَةٌ لِلْإِمَامِ أَنَّ هَذِهِ تِجَارَةٌ لَا تَبَرُّعٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ التِّجَارَةِ، وَالْوَاقِعُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَهُ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ النَّاسِ لِيَرْبَحُوا فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَحَابَا فِيهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَلَا يُقَالُ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الْإِذْنِ فَصَارَ كَالْوَارِثِ إذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِخِلَافِ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ فَلَا يَنْفُذُ مُحَابَاتُهُ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَرُدَّ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى كَتَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِاسْتِدَامَةِ الْإِذْنِ بَعْدَمَا رَضِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ الْمَوْلَى، وَالْفَاحِشُ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَغَيْرُ الْفَاحِشِ فِيهِ سَوَاءٌ فَلَا يَنْفُذُ الْكُلُّ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا فَأَغَلَّ عَبْدَهُ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهَا رَدَّهُ مَعَ الْغَلَّةِ وَيَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِهَا وَقِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَكُونُ عِنْدَهُ الْكَسْبُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَهُمَا الْكَسْبُ مَتَى حَدَثَ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ يَدُورُ النَّمَاءُ بِدَوَرَانِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ حَدَثَ الْكَسْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ حَتَّى يُسْدِيَ الْحَقَّ إلَى الْكَسْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمَأْذُونِ، وَإِنْ اسْتَفَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكَسْبَ بِمِلْكٍ خَبِيثٍ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَتَصَدَّقُ، وَالْبَائِعَ مِنْ أَهْلِهَا فَيَتَصَدَّقُ اشْتَرَى مِنْ الْعَبْدِ بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ مُضَارِبِ الْعَبْدِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَثْبُتُ النَّقْصُ بِالشَّكِّ.
وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَدَفَعَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ أَوْ بَعْدِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَمَّا إذَا حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بِأَنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ فَالْمَأْذُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبَضَ جَارِيَتَهُ وَلَا يَتْبَعُ بِنُقْصَانِهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ جَارِيَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ حِينَ قُبِضَتْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْعَبْدِ لَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَدَثَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمِلْكُ مَتَى كَانَ صَحِيحًا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ضَمَانَ عَقْدٍ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْأَوْصَافُ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا تُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ رَدُّ الْجَارِيَةِ كَمَا قَبَضَ سَلِيمَةً عَنْ الْعَيْبِ وَكَانَ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ ثُمَّ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا هَلَكَ صَارَتْ الْجَارِيَةُ مَضْمُونَةً عَلَى مُشْتَرِيهَا بِالْقِيمَةِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ فَسَدَ فِي الْجَارِيَةِ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ، وَالْمِلْكُ الْفَاسِدُ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ، وَالْأَوْصَافُ تُفْرَدُ بِالْقَبْضِ فَيُفْرَدُ بِضَمَانِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَالْغَصْبِ.
وَأَمَّا إذَا تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ جَنَى عَلَى مِلْكِهِ وَجِنَايَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ هَدَرٌ فَلَمْ يَخْلُفُ بَدَلًا فَصَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَأَخَذَ أَرْشَهَا وَعُقْرَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute