للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] وَالصَّلَاةُ فِي الْآيَةِ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَقِيلَ إنَّهُمْ لَمْ تَتَفَرَّقْ أَعْضَاؤُهُمْ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهُمْ وَجَدَهُمْ كَمَا دُفِنُوا فَتَرَكَهُمْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحُكْمُ صَلَاةِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَصْلًا فَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَمَزَّقْ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ بَعْدَ الْأُولَى وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَدُعَاءٍ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ» فَنُسِخَتْ مَا قَبْلَهَا وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الثَّنَاءَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِيهَا بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ اهـ.

وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنُهُ وَأَبْلَغُهُ وَمِنْ الْمَأْثُورِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْت مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ قَالَ عَوْفٌ حَتَّى تَمَنَّيْت أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ الْفَضْلِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الدُّعَاءَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَدْعُوَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْمَغْفُورِ لَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصِدُ مِنْهَا، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي رُكْنِيَّةَ الدُّعَاءِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ التَّكْبِيرَات رَحْمَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ لَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ بَعْدَهَا غَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَقُولُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ وَقِيلَ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] إلَى آخِرِهِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَنْوِيَّ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ يَنْوِي بِهِمَا الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَنْوِي الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فِي تَسْلِيمَتَيْ الْجِنَازَةِ بَلْ يَنْوِي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ.

وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخَاطَبُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ إذْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَحُكْمُ صَلَاةِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَصْلًا) قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى بِصَلَاةِ الْأَجْنَبِيِّ قُلْت لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ إذَا دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَمَزَّقْ. اهـ

وَهَذَا لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ الْمُرَادُ بِصَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَيْ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ يَعْنِي أَنَّهَا مُعْتَدٌّ بِهَا لَكِنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُصَلِّيَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

(قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ) قَدَّمْنَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَحْمَدُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ إلَخْ) قُلْت وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ فَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ، وَكَذَا مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِثُبُوتِ قِرَاءَتِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَأَنَّهُ قَالَ عَمْدًا فُعِلَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِفَرْضِيَّتِهَا مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ، وَلَوْ قَرَأَ فِيهَا {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: ٢] إلَى آخِرِ السُّورَةِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ سَاكِتًا تَجُوزُ صَلَاته لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَتُهَا عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْجَوَازِ الصِّحَّةُ بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَنْوِيَّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي إكْمَالِ الدِّرَايَةِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ يَنْوِي فِيهِمَا مَا يَنْوِي فِي تَسْلِيمَتَيْ صَلَاتِهِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ بَدَلَ الْإِمَامِ. اهـ.

وَفِي التَّبْيِينِ وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامَ. اهـ.

فَظَاهِرُ كَلَامِ الشُّمُنِّيِّ عَدَمُ نِيَّةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَا فِي التَّبْيِينِ إذْ لَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ هُنَا إذْ الْمَيِّت لَيْسَ أَهْلًا غَيْرَ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَتَعْلِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى (قَوْلُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ اخْتَارُوا رَفْعَ الْيَدِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: رُبَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا اقْتَدَى بِالشَّافِعِيِّ فَالْأَوْلَى مُتَابَعَتُهُ فِي الرَّفْعِ، وَلَمْ أَرَهُ تَأَمَّلْ. اهـ.

أَقُولُ: وَجْهُ الِاسْتِفَادَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ أَئِمَّةِ بَلْخٍ الرَّفْعَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوخًا

<<  <  ج: ص:  >  >>