للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُتَصَوَّرَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ.

ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُوَالَاةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ عَمْدًا بِهَا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ كَانَ ذَلِكَ شِبْهَ عَمْدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فِي دِينِهِ قَاصِدًا لَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى الْخَطَإِ أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْخَطَإِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ، فَإِنْ قُلْتُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْكَفَّارَةِ لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى بِالشَّرْعِ لَا تَعَيُّنُهَا كَمَا قَالُوا فِي الْعَمْدِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَعْلَى ذَنْبًا مِنْ الْخَطَإِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ الْجَانِيَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ قَدْ قَصَدَ الضَّرْبَ وَفِي الْخَطَإِ لَمْ يَقْصِدْ الضَّرْبَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَنْبَ شِبْهِ الْعَمْدِ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَدْنَى وَالْأَعْلَى فَإِلْحَاقُهُ بِالْأَدْنَى أَوْلَى طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ فَلِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَجِبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّ الْإِثْمَ كَامِلٌ وَتَنَاهِيَهُ يَمْنَعُ شَرْعَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَجَوَابُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ إثْمُ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ بِدُونِ الْقَتْلِ وَبِعَكْسِهِ تَجِبُ فَكَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْقَتْلِ دُونَ الضَّرْبِ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَتَحَقَّقُ التَّخْفِيفُ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَإِ وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ كَالْخَطَإِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمُجَازَاةِ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْفِعْلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْخَطَإِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَطَأُ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ عَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَمَا جَرَى بِمَجْرَاهُ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا إلَى آخِرِهِ تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ الْخَطَإِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَوْعَيْنِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ تَفْسِيرٌ لِلْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ لَا فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا رَمَى وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَلَا الْآدَمِيَّ صَيْدًا. وَقَوْلُهُ أَوْ عَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا هَذَا بَيَانٌ لِلْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ دُونَ الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا تَسَامَحَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا إلَى آخِرِهِ.

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ عَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ نَوْعَيْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْهُ جِدًّا فَلَمْ يَصْلُحْ؛ لَأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لَهُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ إشَارَةً إلَى الْعُمُومِ كَمَا تَدَارَكَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْخَطَإِ قَصْدًا كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فِعْلًا كَرَمْيِهِ عَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا اهـ.

ثُمَّ إنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْخَطَأُ ضَرْبَانِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ فَالْخَطَأُ الَّذِي فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَيَصْدُرُ مِنْهُ فِعْلٌ آخَرُ كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ غَيْرَهُ هَذَا هُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي قَصْدِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهَذَا الْفِعْلَ حَرْبِيًّا لَكِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الْقَصْدِ وَهُوَ الْغَرَضُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ قَصَدَهُ اهـ.

وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ فِعْلٌ آخَرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا رَمَى عَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ إلَى مَا وَرَاءَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، ثُمَّ إنْ أَخْطَأَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْقَصْدُ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>