لَيْسَ الْمَقْتُولُ بِوَلَدِهِ وَلَا هُوَ عَبْدُهُ وَلَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ وَيُقْتَلُ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ سَلِيمًا وَالْمَقْتُولُ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمًا أَوْ مَقْطُوعًا أَوْ أَعْمَى أَوْ مَقْطُوعَ الْجَوَارِحِ أَوْ أَشَلَّ الْجَوَارِحِ أَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَفِي الْعُيُونِ ضَرَبَ رَجُلًا بِسَيْفٍ فِي غِمْدِهِ فَخَرَقَ السَّيْفُ الْغِمْدَ وَقَتَلَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الْغِمْدُ لَوْ ضَرَبَ بِهِ وَحْدَهُ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا حَمِيَ التَّنُّورُ فَأَلْقَى فِيهَا إنْسَانًا أَوْ أَلْقَاهُ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ فَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ يَصِيرُ إلَى أَنَّ الْإِحْمَاءَ يَكْفِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ قَالَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْبَقَّالِيِّ إذَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَبَقِيَ أَيَّامًا مَرِيضًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَمَكَثَ أَيَّامًا لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فَلَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ دِيَاتِ الْأَصْلِ إنْ غَرَّقَ إنْسَانًا بِالْمَاءِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ غَالِبًا وَيُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ فِي الْغَالِبِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ عَظِيمًا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَشْدُودٍ وَلَا مُثْقَلٍ، وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ.
وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَمَى رَجُلًا مِنْ سَفِينَةٍ فِي بَحْرٍ أَوْ فِي دِجْلَةَ أَوْ غَرِقَ كَمَا وَقَعَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ حِينَ أَلْقَاهُ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا خَطَأُ الْعَمْدِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ مَوْضِعًا يُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ غَالِبًا فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنْ كَانَ لَا تُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ عِنْدَهُمَا وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهَا النَّجَاةُ وَجَرَحَ آخَرَ جِرَاحَةً أُخْرَى فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهَا النَّجَاةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا وَكِلَاهُمَا قَاتِلَةٌ يُقْتَلَانِ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهَا النَّجَاةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا وَكِلَاهُمَا قَاتِلَةٌ يُقْتَلَانِ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَتَيْنِ وَالْآخَرَ جِرَاحَةً وَاحِدَةً كُلًّا مِنْهَا قَاتِلَةٌ وَإِذَا جَرَحَ رَجُلًا حَتَّى مَاتَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ، فَالْإِمَامُ يَقْتُلُهُ حَدًّا، وَهُوَ نَظِيرُ السَّاحِرِ إذَا تَابَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا إنْ دَامَ عَلَى الْخَنْقِ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ خَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ الْخَنْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ دَامَ عَلَى الْخَنْقِ مِقْدَارًا لَا يَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْهُ غَالِبًا فَلَا قِصَاصَ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَمَطَ رَجُلًا ثُمَّ أَغَلَى لَهُ مَاءً فِي قِدْرٍ يُثْخِنُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ نَارًا وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَسُلِخَ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ حَارًّا لَا يَغْلِي غَلْيًا شَدِيدًا فَأَلْقَاهُ فِيهِ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ قُتِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ هُوَ أُخْرِجَ مِنْ الْقِدْرِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَقَدْ انْسَلَخَ فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ يَوْمِهِ أَوْ مَكَثَ أَيَّامًا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ عَاشَ حَتَّى يَجِيءَ وَيَذْهَبَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْتَلْ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءِ بَارِدٍ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَمَاتَ سَاعَةَ أَلْقَاهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي سَطْحٍ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَاتَ مِنْ الْبَرْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَّهُ فَجَعَلَهُ فِي الثَّلْجِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَمَطَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الشَّمْسِ فَلَمْ يَخْلُصْ حَتَّى مَاتَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدْخَلَ رَجُلًا فِي بَيْتٍ وَأَدْخَلَ مَعَهُ سَبُعًا وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَأَخَذَ الرَّجُلَ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ وَكَذَا لَوْ قَمَطَ صَبِيًّا فَأَلْقَاهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ حَتَّى مَاتَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبَةً لَا أَثَرَ لَهَا فِي نَفْسٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا نَصُّ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ رَجُلٌ صَاحَ بِآخَرَ فَجَاءَهُ فَمَاتَ مِنْ صَيْحَتِهِ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ سَلَخَ جِلْدَ وَجْهِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِذَا سَقَى رَجُلًا سُمًّا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَوْجَرَهُ عَلَى كُرْهٍ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ أَوْ نَاوَلَهُ وَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا أَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُقَدَّرًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا أَوْ لَا يَقْتُلُ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِحَالٍ لَا يَخْرُجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute