للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ فَكَانَ خَطَأَ الْعَمْدِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ مَا أَوْجَرَهُ مِنْ السُّمِّ مِقْدَارَ مَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا أَوْ لَا يَقْتُلُ، وَكَانَ كَمَنْ أَوْجَرَ رَجُلًا سَقَمُونْيَا لَا تَحْتَمِلُهُ النُّفُوسُ فَمَاتَ لَا يَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا وَإِذَا تَنَاوَلَهُ فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّارِبُ بِكَوْنِهِ سُمًّا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّافِعَ خَدَعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ.

وَمَنْ دَفَعَ سِكِّينًا إلَى رَجُلٍ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّافِعِ شَيْءٌ وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ أَدْخَلَ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيًّا فِي بَيْتِهِ فَسَقَطَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ ضَمِنَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ دُونَ النَّائِمِ، وَإِنْ أَدْخَلَ إنْسَانًا فِي بَيْتٍ حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي الْكُبْرَى إذَا طَيَّنَ عَلَى آخَرَ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُعَاقَبُ الرَّجُلُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ رَجُلًا فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا قَالَ مُحَمَّدٌ أُوجِعُهُ عُقُوبَةً وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمُنْتَقَى سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ أَلْقَى رَجُلًا حَيًّا فِي قَبْرٍ وَمَاتَ قَالَ فِيهِ دِيَةٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ يُقَادُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَفِي الْكُبْرَى، وَلَوْ أَلْقَاهُ حَيًّا فِي قَبْرٍ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فُلَانٌ قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ قَالَ بِالسَّيْفِ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت غَيْرَهُ فَأَصَابَتْهُ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ.

وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ الرَّجُلُ قَتَلْنَا فُلَانًا بِأَسْيَافِنَا مُتَعَمِّدِينَ ثُمَّ قَالَ كَانَ مَعِي غَيْرِي لَمْ يُصَدَّقْ وَقُتِلَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ قَتَلْت فُلَانًا مُتَعَمِّدًا بِحَدِيدَةٍ فَلَمَّا أُخِذَ بِذَلِكَ قَالَ كُنْت يَوْمَئِذٍ غُلَامًا لَمْ يُصَدَّقْ وَقُتِلَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ قَالَ لَا أَدْرِي مَاتَ مِنْهَا أَمْ لَا وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَقَالَ الْوَلِيُّ مَاتَ مِنْ ضَرْبَتِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَطَعَ حُلْقُومَ الرَّجُلِ وَبَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الْحُلْقُومِ وَفِيهِ الرُّوحُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ، هَذَا مَيِّتٌ، وَلَوْ مَاتَ ابْنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَرِثْ هُوَ مِنْ ابْنِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ نَائِمٌ، وَهُوَ صَحِيحُ الْبَدَنِ فَذَبَحَهُ إنْسَانٌ وَقَالَ ذَبَحْته، وَهُوَ مَيِّتٌ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَوْ شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ وَخَرَّجَ أَمْعَاءَهُ كُلَّهَا وَسَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ بَعْدُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ عَدَا عَلَى رَجُلٍ فَشَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ نَفَذَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجِبُ ثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَاشِيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ الشَّقِّ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّقُّ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ وُجُودُ الْحَيَاةِ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ فَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا، وَهُوَ فِي النَّزْعِ فَقُتِلَ الْقَاتِلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَفِي فَصْلِ مُتَفَرِّقَاتِ الْإِسْبِيجَابِيِّ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَفِي الْجِنَايَةِ رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَآخَرَ جِرَاحَةً عَمْدًا ثُمَّ صَالَحَ الْمَجْرُوحُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْجُرْحِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِوَلِيِّهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] فَهَذَا يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ وَالْمَالِكِيَّةُ أَمَارَةُ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَمَارَةُ الْعَجْزِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُعَارَضُ بِمَا تُلِيَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُقَابَلَةً مُقَيَّدَةً وَفِيمَا تَلَوْنَا مُقَابَلَةٌ مُطْلَقًا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْحُرِّ لَا تُنَافِي الْحُرَّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرٌ لِبَعْضِ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>