كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَاخْتَارَ قَطْعَ الْيَدِ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ عِنْدَهُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ بِقِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْأُصْبُعِ فَلِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ظُلْمًا فَلَا خِيَارَ لِلْقَاطِعِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ.
وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ فَقَالَ: إذَا قَطَعَ أُصْبُعَهُ قِصَاصًا فَقَدْ قَضَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مُتْلَفًا بَعْدَ حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا كَذَلِكَ مَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ ظُلْمًا، وَهَذَا الْفَرْقُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهَا إذَا قُطِعَتْ بِقِصَاصٍ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِذَا قُطِعَتْ ظُلْمًا أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ قَائِمَةً وَقْتَ الْقَطْعِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَائِتَةً وَقْتَ الْقَطْعِ بِأَنْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ فَحَقُّ الْمَقْطُوعِ فِي الْأَرْشِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ عَيْنَ حَقِّهِ، وَكَانَ لَهُ بَدَلُ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ قَائِمَةً وَقْتَ الْقَطْعِ ثُمَّ فَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ فَاتَتْ لَا بِفِعْلِهِ بِأَنْ فَاتَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بِأَنْ وَقَعَتْ فِيهَا أَكَلَةٌ فَسَقَطَتْ أَوْ قَطَعَهَا إنْسَانٌ ظُلْمًا أَوْ فَاتَتْ مِنْ جِهَتِهِ بِأَنْ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ قَطَعَ يَمِينَهُ، فَإِنْ فَاتَتْ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا بِفِعْلِهِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ فِي الْعَيْنِ فَيَفُوتُ حَقُّهُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا هَلَكَ وَكَمَالُ الزَّكَاةِ إذَا هَلَكَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ يَدَهُ، وَإِذَا قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَدَ صَاحِبِهِ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا، وَفِي النَّوَازِلِ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى إذَا قَطَعَ سَاعِدَ مِثْلِهِ لَا قِصَاصَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَ آخَرَ وَبَدَأَ بِالْيَدِ ثُمَّ قَطَعَ الْأُصْبُعَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْيُمْنَى وَفِي الْيُسْرَى وَحَضَرَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ وَالْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي الْقِصَاصَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْطَعُ أَوَّلًا لِصَاحِبِ الْأُصْبُعِ ثُمَّ يُخَيِّرُ صَاحِبَ الْيَدِ، فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ الثَّانِيَ لِجِهَتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَرْشِ الْأُصْبُعِ،
وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ، وَكَانَ لَهُ دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهِ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَطَعَ يُمْنَى رَجُلَيْنِ ثُمَّ جَاءَا أَوْ طَلَبَا حَقَّهُمَا مِنْ الْقَاضِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبْدَأُ بِأَحَدِهِمَا بَلْ يَقْضِي لَهُمَا بِالْقِصَاصِ فِي يَمِينِهِ وَدِيَةٍ فِي مَالِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ، وَصَاحِبُ الْيَدِ حَاضِرَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا، وَالْآخَرُ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ صَاحِبَ الْأُصْبُعِ فَلَا يُقْطَعُ الْأُصْبُعُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ صَاحِبَ الْيَدِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لَهُ، وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَرْشَ الْأُصْبُعِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى ثُمَّ آخَرُ قَطَعَ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَوْسَطِ ثُمَّ آخَرُ قَطَعَ أُصْبُعًا أُخْرَى مِنْ الْمَفْصِلِ السُّفْلَى، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أُصْبُعٍ وَاحِدٍ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْأَصَابِعِ حُضُورًا أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ حُضُورًا وَطَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي حَقَّهُمْ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْطَعُ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى لِصَاحِبِ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ وَالْأَوْسَطِ ثَابِتًا فِي الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُمَا لَا حَقَّ لَهُمَا فِي قَطْعِ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى إلَّا عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يَضَعْ السِّكِّينَ عَلَى الْمَفْصِلِ مِنْ أَصَابِعِهِمَا، وَإِنَّمَا وَضَعَ عَلَى صَاحِبِ الْمَفْصِلِ إلَّا عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْأَعْلَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ خُيِّرَ صَاحِبُ الْمَفْصِلِ الْأَوْسَطِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ عَلَى صَاحِبِ الْمَفْصِلِ الْأَوْسَطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي مَفْصِلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُنْفَصِلَانِ فَبِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا يَتَخَيَّرُ كَمَا خُيِّرَ صَاحِبُ الْيَدِ بَعْدَمَا قَطَعْنَا الْأُصْبُعَ لِصَاحِبِ الْأُصْبُعِ.
فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْقَاطِعِ مَفْصِلَهُ الْوُسْطَى وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ وَضَمَّنَهُ ثُلُثَ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِنْ أُصْبُعٍ مَفْصِلَيْنِ فَيَضْمَنُ ثُلُثَ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمْ وَغَابَ الْآخَرَانِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ صَاحِبَ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى يُقْطَعُ، فَإِنْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى لَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرَانِ، فَإِنَّهُمَا يُخَيَّرَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَإِنْ اخْتَارَ الْقَطْعَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَإِنْ قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ مِنْ مَفْصِلٍ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ مِرْفَقَهُ، وَكَانَا حَاضِرَيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِحَقِّ صَاحِبِ الْكَفِّ وَفِي الْكَافِي قَطَعَ يَمِينَ رَجُلَيْنِ فَقَطَعَ أَحَدُهُمَا إبْهَامَهُ وَقَطَعَ الْآخَرُ كَفَّهُ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدَيْنِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَاطِعِ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلِقَاطِعِ الْكَفِّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَقَطَعَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُ صَاحِبَيْ الْقِصَاصِ بَعْدَ ذَلِكَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ عَادَ الْأَجْنَبِيُّ فَقَطَعَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ ثُمَّ إنَّ الَّذِي لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ قَطَعَ الْكَفَّ وَعَلَيْهَا أُصْبُعٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الْقَاطِعِ بِدِيَةِ يَدَيْهِ وَأَخَذَ رُبْعَهَا لِلَّذِي أَخَذَ الْكَفَّ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ لِلَّذِي قَطَعَ الْأُصْبُعَ وَلَا يُجْعَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute