للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَالْخُصُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ كَذَا ضَبَطَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَبَضُهُ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ وَيُقَالُ لِحَرَمِ الْمَسْجِدِ رَبَضٌ أَيْضًا

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَبَضِ الْمِصْرِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَظَاهِرُ الْمُجْتَبَى تَرْجِيحُ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ أَيْضًا وَجَزَمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالِاشْتِرَاطِ وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرُبَضِ الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِفِنَاءِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ لَا الْقَرْيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مُجَاوَزَةَ الْفِنَاءِ لِلِاخْتِلَافِ وَفَصَّلَ قَاضِي خان فِي فَتَاوَاهُ فَقَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِ الْمِصْرِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الْمُجَاوَزَةِ فَانْصَرَفَتْ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ مَحَلَّةٍ بِحِذَائِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ قَدْرَ الْغَلْوَةِ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ

وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ إلَى مِصْرٍ لَمْ يُتِمَّ حَتَّى يَدْخُلَ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى قَطْعِ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَرَخَّصُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَكَذَلِكَ الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ يَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَيَأْتِي أَيْضًا، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي الْإِقَامَةِ وَاشْتَرَطَ الْعَمَلَ مَعَهَا فِي السَّفَرِ لِمَا أَنَّ فِي السَّفَرِ الْحَاجَةُ إلَى الْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ مَا لَمْ يُقَارِنْهَا عَمَلٌ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ كَالصَّائِمِ إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ لَا يَكُونُ مُفْطِرًا مَا لَمْ يُفْطِرْ، وَفِي الْإِقَامَةِ الْحَاجَةُ إلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَعَبْدِ التِّجَارَةِ إذَا نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ حَالَ إقَامَتِهِ فِي طَرَفِ الْبَحْرِ فَنَقَلَهَا الرِّيحُ، وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ وَنَوَى السَّفَرَ يُتِمُّ صَلَاةَ الْمُقِيمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ وَمَا يَمْنَعُ فَرَجَّحْنَا مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ احْتِيَاطًا اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا وَمَنْ حَمَلَ غَيْرَهُ لِيَذْهَبَ مَعَهُ وَالْمَحْمُولُ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَسِيرَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الْمُغَيَّرُ وَإِذَا سَارَ ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ حَمْلِهِ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ حَمَلَ وَسَارَ بِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ، وَإِنْ سَارَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ، وَهُوَ مُقِيمٌ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ اهـ.

فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ مُسَافِرًا بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ لَا التَّابِعِ، وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِشَارَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» عَمَّ الرُّخْصَةَ الْجِنْسَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَالْمُرَادُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ اخْتَلَفُوا

ــ

[منحة الخالق]

سَيْرًا مَفْعُولَ مُرِيدًا وَوَسَطًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صِفَتَانِ لَهُ أَيْ كَائِنًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُصَلِّي أَرْبَعًا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَفِي الشرنبلالية بَعْدَ عَزْوِهِ لِمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فَكَانَ حَقُّهَا الْقَصْرَ مِثْلَهُ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ أَنَّهُمَا يُتِمَّانِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي) أَيْ فِي آخِرِ هَذِهِ السَّوَادَةِ (قَوْلُهُ عَمَّ الرُّخْصَةُ) أَيْ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْجِنْسَ أَيْ جِنْسَ الْمُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمُسَافِرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِعَدَمِ الْمَعْهُودِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ ضَرُورَةِ عُمُومِ الرُّخْصَةِ الْجِنْسَ عُمُومُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ مُسَافِرٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ كَانَ السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَثَبَتَ مُسَافِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ مُسَافِرٍ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>