للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْيَوْمِ إذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَكْثَرِهِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْمُفِيدِ لِلثَّلَاثَةِ كَمَا أَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَوْ كَانَ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِهَا لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَفِي الْمُجْتَبَى فَتْوَى أَكْثَرِ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا اهـ.

وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ فَتْوَاهُمْ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ خُصُوصًا الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَصَدَ بَلَدَهُ وَإِلَى مَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَالْآخَرُ دُونَهَا فَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَبْعَدَ كَانَ مُسَافِرًا عِنْدَنَا اهـ.

وَإِنْ سَلَكَ الْأَقْصَرَ يُتِمُّ وَهَذَا جَوَابُ وَاقِعَةِ الْمَلَّاحِينَ بِخُوَارِزْمَ فَإِنَّ مِنْ الْجُرْجَانِيَّةِ إلَى مَدَانِقَ اثْنَيْ عَشَرَ فَرْسَخًا فِي الْبَرِّ، وَفِي جَيْحُونَ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ فَرْسَخًا فَجَازَ لِرُكَّابِ السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِينَ الْقَصْرُ وَالْإِفْطَارُ فِيهِ صَاعِدًا وَمُنْحَدِرًا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْمُقِيمُ إذَا قَصَدَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَا دُونَ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي قَصَدَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَيْضًا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَإِنْ طَافَ آفَاقَ الدُّنْيَا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْبَرِيدِ سَيْرًا مُسْرِعًا أَوْ عَلَى الْفَرَسِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِسَيْرِ الْبَرِّ وَالْجَبَلِ أَنْ يَكُونَ بِالْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِبِلِ إبِلُ الْقَافِلَةِ دُونَ الْبَرِيدِ وَأَمَّا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ فَيُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسَافَةُ ثَلَاثَةٍ فِيهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الرِّيَاحُ مُعْتَدِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ فِي الْبَرِّ فِي يَوْمٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مِنْ طَرِيقِ الْجَبَلِ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ طَرِيقِ السَّهْلِ بِيَوْمٍ، فَالْحَاصِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا عَمَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَرَجَ سَيْرُ الْبَقَرِ بِجَرِّ الْعَجَلَةِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَأُ السَّيْرِ كَمَا أَنَّ أَسْرَعَهُ سَيْرُ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ وَالْوَسَطُ مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ السَّيْرُ الْمُعْتَادُ فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ

وَأَمَّا الثَّالِثُ أَعْنِي حُكْمَ السَّفَرِ فَهُوَ تَغْيِيرُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا قَصْرَ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ وُجُوبُ قَصْرِهَا حَتَّى لَوْ أَتَمَّ فَإِنَّهُ آثِمٌ عَاصٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ رَكْعَتَانِ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ وَإِلَّا كَمَالُ رُخْصَةٍ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا التَّقْلِيبُ عَلَى أَصْلِنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتَا قَصْرًا

ــ

[منحة الخالق]

قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ فِيمَا إذَا بَكَّرَ الْمُسَافِرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، ثُمَّ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَذَلِكَ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ فَإِنَّهُ مُسَافِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَسْحُ تَمَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا، وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُنْقَضِي لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِأَوَّلِهِ شَرْعًا لِعَدَمِ الرُّخْصَةِ فِيهِ، وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا، وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْ مِنْ أَنَّ مُدَّتَهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ اهـ. مُلَخَّصًا.

وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الْكُلِّيَّةِ الْقَائِلَةِ: إنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِإِثْبَاتِ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ

(قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّبِيهِ (قَوْلُهُ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ بِقَدْرٍ مِنْهَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعِرًا إلَخْ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ قَصْرُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ ظَنَّ صَاحِبُ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ) إنَّ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ كَالَّتِي بَعْدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>