للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهِ ذَكَرُوهُ فِي آخِرِ النَّفَقَاتِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا صَرَفَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَهُنَاكَ تَعْمِيرٌ وَاجِبٌ فَعَمَّرَ مِنْ مَالِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِالتَّعْمِيرِ وَيَكُونُ عِوَضًا عَمَّا لَزِمَهُ بِالضَّمَانِ الثَّالِثَةُ فِي قَطْعِ مَعَالِيمِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَإِذَا قَطَعُوا لِلْعِمَارَةِ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى مَوَالِيهِ وَمَاتَ فَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ قَيِّمٍ وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّاتِ مَثَلًا وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْسِمُونَ غَلَّتَهَا لَا يَجِبُ لِلْقَيِّمِ فِيهَا ذَلِكَ الْعُشْرُ لِأَنَّ الْقَيِّمَ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأَجْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِلَا عَمَلٍ اهـ.

فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَنْ لَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ أَمَّا إذَا شَرَطَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُ عَمَلِهِ إلَّا بِضَرَرٍ بَيِّنٍ كَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَلَا يُرَاعِي الْمَعْلُومَ الْمَشْرُوطَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا عَمِلَ الْمُبَاشِرُ وَالشَّادُّ زَمَنَ الْعِمَارَةِ يُعْطَيَانِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا فَقَطْ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا زَمَنَ الْعِمَارَةِ.

الرَّابِعَةُ فِي الِاسْتِدَانَةِ لِأَجْلٍ الْعِمَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ غَلَّةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ هِلَالٌ إذَا احْتَاجَتْ الصَّدَقَةُ إلَى الْعِمَارَةِ وَلَيْسَ فِي يَدِ الْقَيِّمِ

ــ

[منحة الخالق]

الْمَدْفُوعِ عَلَى جِهَةِ أَنَّهُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً ضَمِنَهُ كَالدَّيْنِ الْمَظْنُونِ مُلَخَّصُهُ أَنَّ مُودَعَ الِابْنِ دَفَعَ لِلْإِنْفَاقِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَضَمِنَ وَلَا يَرْجِعُ لِإِذْنِهِ لَهُ بِهَا وَالنَّاظِرُ دَفَعَ عَلَى أَنَّهُ اسْتِحْقَاقُهُ وَهُوَ آخِذُهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ فِي بَيَانِ الْغَصْبِ أَوْدَعَهُ ثِيَابًا فَجَعَلَ الْمُودَعُ ثَوْبَهُ فِيهَا ثُمَّ طَلَبَ الْوَدِيعَةَ رَبُّهَا فَدَفَعَ الْكُلَّ إلَيْهِ فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ ثَوْبَ الْمُودَعِ إذْ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ضَمِنَهُ اهـ.

وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَحِقُّ هَالِكًا أَيْضًا لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فَيَضْمَنُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ دَفَعَ الثَّوْبَ نَاسِيًا لَهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ دَفْعُهُ لَهُ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِهِ لَهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ فَكَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ تَأَمَّلْ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ لِأَخْذِهِمْ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَهُوَ لَمْ يَدْفَعْهُ مُتَبَرِّعًا بَلْ لِيُوَفِّيَهُمْ مَعْلُومَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً لَا تَسْتَحِقُّهَا لِنُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَتَرْكِ الْإِمَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ مِمَّنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ لَا يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ الْمُوَظَّفَ لَهُ بِتَمَامِهِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فَيَسْتَحِقَّ أَجْرَ عَمَلِهِ لَا الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ تُقْطَعُ الْجِهَاتُ إلَخْ فَمَنْ خِيفَ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ الْقَدِيمِ مِنْ أَخْذِهِ الْمَشْرُوطَ وَمَنْ لَا يُخَافُ بِقَطْعِهِ الضَّرَرُ يُقْطَعُ فَلَا يَأْخُذُ الْمَشْرُوطَ وَلَوْ عَمِلَ بَلْ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ إذَا عَمِلَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي النَّهْرِ وَجَعَلَهُ مِمَّا أَفَادَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي عَقِيبَ كَلَامِ الْفَتْحِ يُخَالِفُ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ قُطِعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ) أَيْ يُبَاشِرَ الْعَمَلَ الَّذِي نُصِبَ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا عَمَلُهُ فِي الْعِمَارَةِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَنْزِعُ لَوْ حَائِنًا بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ وَهُوَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ وَبَيْعِ غَلَّاتٍ وَصَرْفِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ فِيمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ إلَّا مِثْلَ مَا يَفْعَلُ أَمْثَالُهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الظَّاهِرَ حَمْلُ قَوْلِ الْفَتْحِ هُنَا إلَّا أَنْ يَعْمَلَ الْمُرَادَ بِهِ عَمَلُهُ فِي الْعِمَارَةِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَمِلَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ عَمِلَ فِي الْوَقْفِ بِأَجْرٍ جَازَ وَيُفْتَى بِعَدَمِهِ إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا وَصَحَّ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ. اهـ.

وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا آخِرًا إنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَمَلَ الَّذِي نُصِبَ لِأَجْلِهِ وَجُعِلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِسَبَبِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِدُونِهِ وَقْتَ التَّعْمِيرِ وَبَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي عِبَارَةِ مَا يُعَيَّنُ فَإِنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَهَذَا عِنْدَنَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا قَالَهُ فَخْرُ الدِّينِ مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّاحُونِ يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ لَهُ إذَا لَمْ يَعْمَلْ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي الْعُشْرَ نَظِيرَ عَمَلِهِ أَمَّا لَوْ جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ فَيَسْتَحِقُّ بِلَا عَمَلٍ يَعْنِي إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ الْوَاقِفُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ يَأْخُذْ قَدْرَ أُجْرَتِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي فِي السَّادِسَةِ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ يَصْرِفُ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ اهـ.

نَعَمْ إنْ حُمِلَ كَلَامُ الْفَتْحِ عَلَى الْعَمَلِ فِي التَّعْمِيرِ لَمْ يُنَافِ مَا فِي الْحَاوِي تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>