للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي اسْمِهِ فَلَا يُقْطَعُ عَنْهُ اسْمُ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ كَمَا لَوْ مَلَكَ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفًا حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يُزَاحِمُ الْكُلَّ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ يَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ) ؛ لِأَنَّ الْآخِرَ بِكَسْرِ الْخَاءِ فَرْدٌ لَاحِقٌ، وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تُحَقِّقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودُ سَابِقٍ بِالْفِعْلِ، وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ. اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي مَاتَ رَاجِعٌ إلَى الْمَالِكِ.

قَوْلُهُ (فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ فَاتَّصَفَ بِالْآخِرِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ عِتْقِهِ لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ مُقْتَصَرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمَا وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ، وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتُحِدُّ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا حِدَادٍ، وَلَا تَرِثُ مِنْهُ.

وَلَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً؛ لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْلَى فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِلتَّضَادِّ كَمَنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ ضَرَبَ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمَضْرُوبُ مَرَّةً بِخِلَافِ الْفِعْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَيَّدَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الثَّانِيَ آخِرُ إلَّا بِمَوْتِ الْمَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ فَيَكُونُ هُوَ الْآخِرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْأَوْسَطَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ قَالَ أَوْسَطُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَكُلُّ عَبْدٍ فَرْدٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فَهُوَ أَوْسَطُ، وَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ وَلَا الْآخِرُ وَسَطًا أَبَدًا، وَلَا يَكُونُ الْوَسَطُ إلَّا فِي وِتْرٍ، وَلَا يَكُونُ فِي شَفْعٍ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَالثَّانِي هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا اشْتَرَى رَابِعًا خَرَجَ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ فَإِذَا اشْتَرَى خَامِسًا صَارَ الثَّالِثُ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا اشْتَرَى سَادِسًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. اهـ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ) (عَتَقَ الْأَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍ صِدْقٍ لَيْسَ لِلْمُبَشَّرِ بِهِ عِلْمٌ عُرْفًا وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِينَ، وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَابْتَدَرَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَكَانَ يَقُولُ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا كِتَابًا بِالْبِشَارَةِ يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى الْمُشَافَهَةَ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ قَدْ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْعُو فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ يَدْعُوهُ

ــ

[منحة الخالق]

هَذَا، وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ فَإِنْ عَنَى بِأَحَدِهِمَا الْآخَرَ صُدِّقَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَعْنَى الْجَامِعِ وَهُوَ الْوَحْدَةُ لَكِنَّهُ إنْ عَنَى بِقَوْلِهِ وَاحِدًا وَحْدَهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْلِيظِ، وَفِي عَكْسِهِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ. اهـ.

وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ عِبَارَةِ التَّلْخِيصِ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُهُ فَرَاجِعْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>