للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَكِبَرُ السِّنِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] فَإِنَّهُ أَبَاحَ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ لَكِنْ الْقَطْعُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْفِطْرِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ إفْسَادِ عُضْوٍ ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرَأَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنْ الضَّعْفُ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَمُرَادُهُ بِالْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْخَوْفِ إيَّاهَا وَأَطْلَقَ الْخَوْفَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَرَادَ الْوَهْمَ حَيْثُ قَالَ لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ يُفْطِرُ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ ذَلِكَ يُعْجِزُهَا عَنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ. أَطْلَقَ فِي الْمَرَضِ فَشَمِلَ مَا إذَا مَرِضَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَمَا شَرَعَ بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ وَهُوَ عُذْرٌ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ بِاللَّامِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لَكِنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فَكَانَ أَفْضَلَ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَالْإِفْطَارُ وَاجِبٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَوْ صَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَإِذَا أَفْطَرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَكَلَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ يَعْنِي فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ لَا بَأْسَ فَإِنْ لَمْ يُحَمَّ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ كَانَ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى الصَّوْمَ وَشَرَعَ فِيهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْوِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَضِيعٌ مَبْطُونٌ يُخَافُ مَوْتُهُ مِنْ هَذَا الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الظِّئْرَ إذَا شَرِبَتْ دَوَاءَ كَذَا بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ وَتَحْتَاجُ الظِّئْرُ إلَى أَنْ تَشْرَبَ ذَلِكَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ إذَا قَالَ ذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ الْحُذَّاقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ قَالُوا إنْ كَانَ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَطِبَّاءَ الْحُذَّاقَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَوَعَدَ لَهُ كَافِرٌ إعْطَاءَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لَعَلَّ غَرَضَهُ إفْسَادُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ. اهـ.

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ بِالْكَافِرِ فِيمَا عَدَا إبْطَالَ الْعِبَادَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ عَلَّلَ قَبُولَ قَوْلِهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إفْسَادَ الْعِبَادَةِ لَا

ــ

[منحة الخالق]

أَنْ يُرَادَ بِالْعَوَارِضِ مَا يُبِيحُ عَدَمَ الصَّوْمِ لِيَطَّرِدَ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ اهـ.

وَأَقُولُ: هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِيهَا أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَى هَذَا الْحَصَادُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مَعَ الصَّوْمِ وَيَهْلَكُ الزَّرْعُ بِالتَّأْخِيرِ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَالْقَضَاءِ إذَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، تَأَمَّلْ.

وَلَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ الْأَوَّلُ حَيْثُ قَالَ صَائِمٌ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ إذَا أَجْهَدَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ تَحْتَ قَهْرِ الْمَوْلَى وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ إنْ أَمْكَنَهَا وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْحَرْبِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقِتَالُ لَا يُكَفِّرُ. وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى أَنَّ الْقِتَالَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الْإِفْطَارِ لِيَتَقَوَّى بِخِلَافِ الْمَرَضِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَاتِلَ مُحْتَاجٌ إلَى تَقْدِيمِ الْأَكْلِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَلِذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ عُذْرُهُ بَعْدَ الْأَكْلِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ سُقُوطَهَا عَنْهُ أَيْضًا وَكَذَا عَمَّنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا (قَوْلُهُ: بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ م ث ل تَمَاثَلَ الْعَلِيلُ قَارَبَ الْبُرْءَ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>