للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطِّبِّ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ أَنْ يَخْبِزَ خَبْزًا يُوصِلُهُ إلَى ضَعْفٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ بَلْ يَخْبِزُ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ قِيلَ لَهُ لَا يَكْفِيهِ أُجْرَتُهُ أَوْ رِبْحُهُ فَقَالَ هُوَ كَاذِبٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ جَازَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ فِي نَفْسِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشَرَطَ كَوْنَهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ فِيهِ الْأَدَاءُ أَوْلَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهُمْ لَهُ رُخْصَةً إسْقَاطُ مَجَازٍ، وَقَوْلُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ تَسَامُحٌ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَوْمُهُمَا أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنْ ضَرَّهُ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» قَالَهُ لِرَجُلٍ صَائِمٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِي مِصْرٍ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ الْمُبِيحُ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمُحَرِّمُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فَرَجَّحْنَا الْمُحَرِّمَ احْتِيَاطًا وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ إنْ أَجْهَدَهُ وَأَطْلَقَ الضَّرَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِضَرَرِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ لَكِنْ كَانَ رُفَقَاؤُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ وَالنَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ خِلَافًا لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ هُوَ الَّذِي يُبِيحُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا قَدْ ثَبَتَتْ رُخْصَتُهُ

وَأَطْلَقَ السَّفَرَ فَشَمِلَ سَفَرَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ لِمَا عُرِفَ وَأَرَادَ بِالضَّرَرِ الضَّرَرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ خَوْفَ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ فَالْإِفْطَارُ فِي مِثْلِهِ وَاجِبٌ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ كَذَا

ــ

[منحة الخالق]

الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ نُصْحُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ فَأَنَّى يَتَطَبَّبُ بِهِمْ اهـ.

قَالَ مُحَشِّيهِ وَأَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ إلَّا عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ» (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى يَدْخُلُ فِيهِ الْخَبَّازُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ هُوَ كَاذِبٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ طُولَ النَّهَارِ وَقِصَرَهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَقَدْ يَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِينِي فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ تَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الْمُحْتَرِفِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِحِرْفَتِهِ يَلْحَقُهُ مَرَضٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ وَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْوَبَرِيِّ وَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ عَمِلَ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ اهـ.

قُلْت وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى عَلَى مَا يَأْتِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ وَيُقَرِّبُهُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ تَأَمَّلْ وَانْظُرْ إذَا كَانَ أَجَرَ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً هَلْ لَهُ الْفِطْرُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظِّئْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ بِالْعَقْدِ فَيَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، تَأَمَّلْ.

وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْتَرِفِ بِأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِنْ النَّاسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْعَمَلِ يَعْمَلُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفِطْرِ حَلَّ لَهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: فَجَعَلَ نَفْسَهُ عُذْرًا أَيْ نَفْسَ السَّفَرِ عُذْرًا وَإِنْ عَرَا) عَنْ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ غَالِبًا، وَالنَّادِرُ كَالْعَدَمِ فَأُنِيطَتْ الرُّخْصَةُ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ فِيهِ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ حَيْثُ عَلَّقَ كَرَاهَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي مِصْرٍ أَوْ دُخُولِهِ إلَى مِصْرِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ مِصْرِهِ وَغَيْرِ مِصْرِهِ فَعَلَّقَ الْكَرَاهَةَ فِي مِصْرِهِ عَلَى الدُّخُولِ وَفِي غَيْرِ مِصْرِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِصْرًا غَيْرَ مِصْرِهِ وَيَنْوِيَ فِيهِ الْإِقَامَةَ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ مُطْلَقًا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ دُخُولُهُ الْمِصْرَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ إلَخْ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ فِيهِ الْمُبِيحُ. نَعَمْ بَعْدَ إقَامَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، تَأَمَّلْ.

لَكِنْ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ الْمَذْكُورَةَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ دُخُولُهُ الْمِصْرَ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فَلَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ فِيهِ اهـ.

ذَكَرَ ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَّلَ فِي الْفَتَاوَى أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْطَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>