فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ مَا إذَا أُكْرِهَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَإِنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ وَلَا يَسَعُهُ الصَّوْمُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ فَقُتِلَ يَأْثَمُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا فَأُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ حَتَّى قُتِلَ يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ بِالْإِكْرَاهِ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ لَا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ أُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَتُفْطِرَنَّ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَقَوْلِهِ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَصَارَ كَتَهْدِيدِهِ بِالْحَبْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُسَافِرُ إذَا تَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَ الْأَكْلِ حَيْثُ رَفَضَ سَفَرَهُ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْزِلِهِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إذَا مَاتَا قَبْلَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَظَهَرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَبْلَ الصِّحَّةِ لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْخِلَافَ نَشَئُوا بَعْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَثِيرٍ مِنْ الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ لِأَوْصَافِهِ الْجَمِيلَةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ
ــ
[منحة الخالق]
بِمُوَافَقَةٍ (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) أَرْجَعَ فِي النَّهْرِ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ إلَى الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ قَيَّدَ بِهِ أَيْ بِمَوْتِهَا عَلَى السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُوصَفَانِ حَقِيقَةً بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي رِوَايَةً وَدِرَايَةً إذْ لُزُومُ الْكُلِّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ تُوجَدْ وَالْكُتُبُ الْمُعْتَمَدَةُ نَاطِقَةٌ بِخِلَافِ مَا قَالَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِاسْتِحَالَةِ نَقْلِ غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَتَرْكِ الْمَذْهَبِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ النَّذْرَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ) أَيْ النَّذْرَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَرِيضِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إذَا بَرِئْت (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا اضْطِرَابٌ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَجِبُ إبْدَالُ الصَّحِيحِ بِالْمَرِيضِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ صَامَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَذَرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الصِّحَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْصِيلَ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَارِّ وَلِذَا رَدُّوا عَلَيْهِ هَذَا وَفِي السِّرَاجِ رَجُلٌ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَأَقَامَ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ قَبْلَ رَجَبٍ ثُمَّ مَاتَ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ بِشَهْرٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ يُوصِي بِقَدْرِ مَا قَدَرَ وَذَكَرَ فِي الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ رَجَبٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلَانِ رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا وَالثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إلْزَامَ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مُحَالٌ وَلِذَا لَا يُوصِي إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مُلْزِمٌ فَجَازَ الْفِعْلُ عَقِيبَهُ وَإِنَّمَا التَّأْخِيرُ لِتَسْهِيلِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَلَهُمَا وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى أَنَّ اللُّزُومَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يَظْهَرُ فِي خَلَفِهِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا نَذَرَ شَهْرًا غَيْرَ مُعِينٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ النَّذْرِ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ فَلَمْ يَصُمْ فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لِقَدْرِ مَا قَدَرَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَاكِمِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَالِحٌ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّذْرِ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ جُعِلَ كَالْقَادِرِ عَلَى الْجَمِيعِ فَوَجَبَ الْإِيصَاءُ وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى النَّذْرُ مُلْزِمٌ فِي الذِّمَّةِ السَّاعَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَامَ مَا أَدْرَكَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute