وَهُوَ ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءَ فَشَمِلَ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءِ أَنَّهُ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى هَالِكًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فَقَالَ عَبْدٌ هَلَكَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ آجَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَهُوَ خَصْمٌ فَإِنَّهُ يَدَّعِي إيدَاعَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي أَمَّا لَوْ كَانَ غَصْبًا لَمْ يَرْجِعْ وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاكِ هَا هُنَا فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، جَارِيَةٌ فِي يَدِهِ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ وَطَلَبَ أَرْشَ الْعَيْنِ، وَأَخْذَ الْجَارِيَةِ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ، وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَعَلَهُ الْقَاضِي خَصْمًا فِي حَقِّ الْقِيمَةِ، وَلَا يَقْضِي بِالْوَلَدِ وَيَقِفُ فِيهِ وَيَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِخِلَافِ الْأَرْشِ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ قَتَلَهَا عَبْدٌ خَطَأً، وَذُو الْيَدِ زَعَمَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ عِنْدِي يُقَالُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ افْدِهِ أَوْ ادْفَعْهُ فَإِنْ دَفَعَهُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ لَهُ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي إنْ طَلَبْت الْعَبْدَ فَلَا حَقَّ لَك، وَإِنْ طَلَبْت الْقِيمَةَ قَضَيْنَا بِهَا عَلَيْهِ لَك فَإِنْ اخْتَارَ الْقِيمَةَ، وَأَخَذَهَا مِنْهُ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لَا فِي الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَوْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَرْجِعْ قَطْعًا، وَمَعَ الْقَتْلِ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا لَا فِي الرَّقَبَةِ، وَلَا فِي الْأَرْشِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ. اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ، وَمَا بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى إيدَاعِ الْكُلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ النِّصْفُ لِي وَالنِّصْفُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ انْدَفَعَتْ فِي الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ. اهـ.
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْدَعَنِيهِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدَّفْعِ وَالشَّهَادَةِ فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ الشُّهُودِ الْغَائِبَ بِوَجْهِهِ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدِعْهُ مَنْ نَعْرِفُهُ بِالطُّرُقِ الثَّلَاثِ لَكِنْ لَا نَقُولُهُ، وَلَا نَشْهَدُ بِهِ لَا تَنْدَفِعُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَجَابَ بِذَلِكَ لَا يَكْفِي وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْرِفُهُ إلَّا أَنِّي نَسِيته، وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَشَهِدَا بِمَجْهُولٍ لَكِنْ قَالَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مُطَابَقَةً، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا نَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا فَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْفُصُولِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي دَفَعَهَا الْقَاضِي أَيْ حَكَمَ بِدَفْعِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ وُجُودَ حُجَّةٍ عَلَى مَا قَالَ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةً أَوْ عِلْمَ الْقَاضِي أَوْ إقْرَارَ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ آخَرَ فَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّهَا لِي، وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي إيدَاعَ هَذَا الْآخَرِ كَمَا عَلِمَ مِلْكَ الْأَوَّلِ أَقَرَّهُ فِي يَدِهِ أَمَّا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ غَصَبَهَا مِنْ هَذَا الَّذِي كَانَتْ لَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا هَذَا أَخَذَهَا وَرَدَّهَا فَإِنَّ عِلْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ.
، وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِنْ نَكَلَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَدَّعِي إيدَاعَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ) عِبَارَةُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَإِذَا كَانَ الْعَيْنُ هَالِكًا فَالدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ، وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ) أَيْ ذُو الْيَدِ عَلَى الْغَائِبِ (قَوْلُهُ: وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (قَوْلُهُ: لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَلَمْ يَزِيدُوا فَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ) يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهَا تَنْدَفِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَ أَسْطُرٍ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَكِنْ مَا قَدَّمَهُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَمَا هُنَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ بِدُونِ التَّصْرِيحِ بِالدَّفْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute