وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِوَضْعِهِ إلْزَامُهُ بِهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ وَهُوَ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ وَهُوَ زِرَاعَتُهَا أَوْ تَعْطِيلُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ زِرَاعَتِهَا بِالْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يُظَنُّ بِوَضْعِ الْإِمَامِ وَتَوْظِيفِهِ أَنْ يَقُولَ وَظَّفْت عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَطُّ لَا يَقُولُهُ بَلْ الْخَرَاجُ مِنْ حِينِ اسْتَقَرَّ وَظِيفَةٌ لِلْأَرْضِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي يَدِهِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي وَضْعِ الْخَرَاجِ فَشَمِلَ جَمِيعَ أَسْبَابِ الْتِزَامِهِ فَلَوْ اسْتَعَارَهَا الْمُسْتَأْمِنُ مِنْ ذِمِّيٍّ صَارَ الْمُسْتَعِيرُ ذِمِّيًّا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمِنُ أَرْضَ خَرَاجٍ فَغُصِبَتْ مِنْهُ فَإِنْ زَرَعَهَا الْغَاصِبُ لَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا وَإِلَّا فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا فِي الْوَجْهَيْنِ وَفِي السِّرَاجِ لَوْ زَرَعَ الْحَرْبِيُّ أَرْضَهُ الْخَرَاجِيَّةَ فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِلُزُومِ الْخَرَاجِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) يَعْنِي فَلَا تُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهِمْ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ فَتَكُونُ ذِمِّيَّةً فَيُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى أَرْضِهَا وَتَقْيِيدُ الزَّوْجِ بِالذِّمِّيِّ لِيُفِيدَ أَنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً إذَا نَكَحَتْ مُسْلِمًا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَفَادَ بِإِضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهَا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ دُخُولِهَا دَارَنَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ قَالَ أَوْ صَارَ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا دَخَلَ الْمُسْتَأْمَنُ بِامْرَأَتِهِ دَارَنَا ثُمَّ صَارَ الزَّوْجُ ذِمِّيًّا فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ وَلِيَشْمَلَ مَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْتَأْمَنَةً فِي دَارِنَا ثُمَّ صَارَ الرَّجُلُ ذِمِّيًّا وَلَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ ثُمَّ أَنْكَرَتْ أَصْلَ النِّكَاحِ فَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ أَوْ إقْرَارِهَا بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ فِي دَارِنَا قُبِلَتْ وَمُنِعَتْ مِنْ اللَّحَاقِ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَذَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا إذَا نَكَحَ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ وَكَذَا لَوْ دَخَلَا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَتْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ طَالَبَتْهُ بِصَدَاقِهَا فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ الرُّجُوعَ حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ اهـ.
وَيُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الدَّيْنِ الْحَادِثِ فِي دَارِنَا الْأُولَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا مَنَعَتْهُ لِلْمَهْرِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَفَائِهِ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ كَانَ ذِمِّيًّا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَنَّ جُنْدًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَوْ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ اسْتَأْمَنُوا وَهُمْ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ فَأَمَّنُوهُمْ وَصَارُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى مَأْمَنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُتْرَكُوا وَصَارُوا ذِمَّةً اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ جَعَلَ الْحَرْبِيَّ بِالتَّزَوُّجِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ خَرَاجَ وَظِيفَةٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَأَقَامَ حَتَّى زَرَعَهَا فَأُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ كَانَ ذِمِّيًّا أَيْضًا وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْآجِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَالْعُشْرِ فَأَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَدَارُهُمْ فِي ذِمَّةِ الْآجِرِ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَوْ أَخَّرَ الْكِتَابَ فِي بَابِ مَا يَصِيرُ بِهِ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا فَقَالَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَزَرَعَهَا فَخَرَاجُهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا عَلَى الْمَزَارِعِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْحَقِيقَةِ حَصَلَتْ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَدَلَ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا بِالزَّارِعَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ خَرَاجُهَا مُقَاسَمَةً بِنِصْفِ الْخَارِجِ فَزَرَعَهَا الْحَرْبِيُّ بِبَذْرِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ هُمَا عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْخَارِجِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْعُشْرِ فَزَرَعَهَا فَالْعُشْرُ عِنْدَهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ هُمَا عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْخَارِجِ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ أَوْ صَارَ لَهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ صَارَ يُفِيدُ الْحُدُوثَ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ) أَيْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ كَانَ ذِمِّيًّا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْإِمَامِ إلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْجَهِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِدَايَةِ فِي آخَرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ