الْأَمْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ بِهِ كَالْإِحْيَاءِ بِالْإِيلَادِ فَيَرِثُ بِهِ كَمَا يَرِثُ الْأَبُ وَلَدَهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ وَلَاءَ نِعْمَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] بِالْهُدَى وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ وَقَوْلُهُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَعْتَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يُخَلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرِثُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَوْ قَالَ مُسْلِمًا، وَلَوْ رَقِيقًا كَافِرًا فِي دَارِنَا لَكَانَ أَحْسَنَ.
وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ يَعْنِي، وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَبِشِرَائِهِ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى، وَكَذَا مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لَهُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَ فَالْعِتْقُ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَأَعْتَقَ عَتَقَ عَنْ الْمَأْمُورِ وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْآمِرِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي فَأَعْتَقَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَالْوَلَاءُ يُورَثُ اهـ.
وَشَمِلَ قَوْلُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِ وَفِي الْمُحِيطِ حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ نَتِيجَةُ الْعِتْقِ وَإِعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَعَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يُخْلِ سَبِيلَهُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ صَحَّ الْعِتْقُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْعِتْقُ فِي حَقِّ زَوَالِ الرِّقِّ وَإِنْ صَحَّ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِهِ سَبَبٌ لِرِقِّهِ فَإِذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَحَّ عِتْقُهُ وَكُلُّ مُعْتَقٍ جَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ بَعْدَ الْعِتْقِ انْتَقَضَ بِهِ وَلَاؤُهُ. حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِحَّ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَسْلَمَ هُنَاكَ أَعْتَقَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ هُنَاكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ عَبْدُهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ قِيَاسًا وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَجْعَلُهُ مَوْلَاهُ اسْتِحْسَانًا حَرْبِيٌّ اشْتَرَى عَبْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتُرِقَّ فَاشْتَرَاهُ الْعَبْدُ فَأَعْتَقَهُ فَوَلَاءُ الْأَوَّلِ لِلْآخَرِ وَوَلَاءُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ السَّائِبَةِ لَغْوٌ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ عَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَعِتْقُ أُمِّهِ مَقْصُودٌ فَكَذَا هُوَ يُعْتَقُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى أَوْقَعَ الْإِعْتَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُمْ هُنَاكَ قَالُوا وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا فَأَوْرَدُوا أَنَّهُ يُعْتَقُ تَبِعَا لَا قَصْدًا، وَهَذَا مُنَافٍ لِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِعْتَاقُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْآخَرَ ضَرُورَةً وَصَارَ مُعْتَقًا لَهُمَا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتَقِ وَقَوْلُهُ مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ مِثَالٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا وَقَوْلُهُ مِنْ زَوْجِهَا صَادِقٌ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ حَالَ قِيَامِهِ وَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِوَلِيِّ الْأُمِّ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَا الْوَلَاءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَدَتْ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدْت بَعْدَ عِتْقِي بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ عِتْقِك بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ) وَهُوَ الْأَبُ (جَرَّ وَلَاءَ ابْنَهُ لِمَوَالِيهِ) ؛ لِأَنَّ مَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ هَاهُنَا لِحُدُوثِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute