الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْمُصَلِّي إلَى وَجْهِ الْإِنْسَانِ مَكْرُوهٌ وَاسْتِقْبَالَ الْإِنْسَانِ وَجْهَ الْمُصَلِّي مَكْرُوهٌ فَالْكَرَاهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ
(قَوْلُهُ وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَمَامَهُ مُصْحَفٌ أَوْ سَيْفٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّقًا أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَّا الْمُصْحَفُ فَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَعْظِيمَهُ وَتَعْظِيمُهُ عِبَادَةٌ وَالِاسْتِخْفَافُ بِهِ كُفْرٌ فَانْضَمَّتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى فَلَا كَرَاهَةَ وَمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَفْعَلُونَهُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ وَأَمَّا السَّيْفُ فَلِأَنَّهُ سِلَاحٌ وَلَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي لِلْعَنَزَةِ وَهِيَ سِلَاحٌ»
(قَوْلُهُ أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَإِنَّمَا يَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ إذَا كَانَتْ فِي الْكَانُونِ وَفِيهَا الْجَمْرُ أَوْ فِي التَّنُّورِ فَلَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي التَّوَجُّهِ إلَى الشَّمْعِ أَوْ السِّرَاجِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّمْعُ عَلَى جَانِبَيْهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ لِلتَّرَاوِيحِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِيهِ لُغَتَانِ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ أَضْعَفَهُمَا الشَّمْعُ بِالسُّكُونِ وَالْأَوْجَهُ فَتْحُ الْمِيمِ اهـ
(قَوْلُهُ وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ وَالتَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَفْهُومَهُ وَمَا فِي الْأَصْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْتَوْفِ ذِكْرَ الْمَكْرُوهَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ تَرَكَهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ إذَا سَجَدُ وَرَفْعُهُمَا قَبْلَهُمَا إذَا قَامَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ أَوْ يُنَكِّسَهُ فِي الرُّكُوعِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ وَأَنْ لَا يَضَعَ يَدَيْهِ فِي مَوْضِعِهِمَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَنْ يَتْرُكَ التَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ يُنْقِصَ مِنْ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الِانْتِقَالَاتِ بَعْدَ تَمَامِ الِانْتِقَالِ وَفِيهِ خَلَلَانِ تَرْكُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَتَحْصِيلُهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا كَانَتْ مُؤَكَّدَةً قَوِيَّةً لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَتَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَتَرْكُهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا كَمَا فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُسْتَحَبًّا أَوْ مَنْدُوبًا وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ كَمَا هُوَ عَلَى اصْطِلَاحِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَرْكُهُ مَكْرُوهًا أَصْلًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْأَضْحَى أَنْ لَا يَأْكُلَ أَوَّلًا إلَّا مِنْ أُضْحِيَّتِهِ قَالُوا وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا مَرْجِعُهُ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَا شَكَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الثَّالِثَ صَارَ كَالْفَاصِلِ كَمَا فِي النَّهْرِ قَالَ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ هُوَ عَلَى مَكَان عَالٍ يَنْظُرُهُ إذَا قَامَ لَا إذَا قَعَدَ لَا يُكْرَهُ وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْحَلَبِيِّ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِ الظَّهْرِ سُتْرَةً تَقْيِيدُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُتَوَجِّهًا إلَى مَا بَيْنَ الْقَاعِدِينَ فِي الصُّفُوفِ مِنْ الْفُرَجِ لَا إلَى ظَهْرِ أَحَدِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت وَهَذَا الْجَوَابُ مَعَ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ يُنَافِيهِ بَقِيَّةُ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلَ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ اهـ.
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فُرَجٌ لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِ الْمُقَابَلَةِ بِحَالِ الْقِيَامِ فَائِدَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ حِينَئِذٍ مَوْجُودَةٌ فِي حَالِ قُعُودِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الْمُوَاجَهَةُ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَقَطْ وَقَدْ أَجَابَ الرَّمْلِيُّ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْحَلَبِيُّ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْبِلِ فَلَا مُنَافَاةَ تَأَمَّلْ اهـ.
وَقَدْ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ عَلَى صُورَةٍ لَا تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ بِأَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وَالْمُصَلِّي مِثْلَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا مَرَّ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَوْمِ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا وَهُوَ الْمُقَابِلُ لَهَا فَتَلْحَقُهُ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْقُوَيْلَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْمُخْتَارَةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَرَفْعُهُمَا قَبْلَهُمَا) أَيْ رَفْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ لَا يَبْعُدُ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَذَانِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ وَالْقَوْلَ بِسُنِّيَّتِهِ مُتَقَارِبَانِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ فِي حَقِّ لُحُوقِ الْإِثْمِ لِتَارِكِهِمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ الْمَنْفِيَّةَ التَّحْرِيمِيَّةُ فَلَا يُنَافِي ثُبُوتَ التَّنْزِيهِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَفِي تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ كَرَاهَةٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ دُونَ كَرَاهَةِ تَرْكِ السُّنَّةِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْإِثْمَ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ دُونَهُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ