بِالْحَاجَةِ وَقِيلَ بِالْفَضْلِ. اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ فَرَّقَ الطَّرَسُوسِيُّ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ وَصَرِيحُ مَا فِي الْفَتَاوَى يُخَالِفُهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إمَامُ الْمَسْجِدِ رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ غَلَّةَ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ كَانَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ الْحَصَادِ يَسْتَحِقُّهُ وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتُ الْحَاكِمِ فِي خِلَالِ السَّنَةِ وَكَذَا حُكْمُ الطَّلَبَةِ فِي الْمَدَارِسِ. اهـ.
قُلْتُ إنَّ قَوْلَهُ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا لِاسْتِحْقَاقِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْإِمَامِ حِصَّةً مَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهِ. اهـ.
فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ مُطْلَقًا أَوْ بِعُذْرٍ أَمْ لَا مُطْلَقًا قُلْتُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَهُمَا مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ فَإِنَّهُ قَالَ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ حَلَّتْ بِهَذَا الْقَيِّمِ آفَةٌ مِنْ الْآفَاتِ مِثْلُ الْخَرَسِ وَالْعَمَى وَذَهَابِ الْعَقْلِ وَالْفَالِجِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ لَهُ الْأَجْرُ الْقَيِّم عَلَى الْوَقْف قَائِمًا أَمْ لَا قَالَ إذَا حَلَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ مَعَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَالْأَجْرُ لَهُ قَائِمٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ شَيْءٌ. اهـ.
قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فَاسْتَنْبَطْنَا مِنْهُ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ وَاقِعَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ أَوْ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ كَانَ مُبَاشِرًا شَيْئًا مِنْ وَظَائِفِ الْمَدَارِسِ إذَا مَرِضَ أَوْ حَجَّ وَحَصَلَ لَهُ مَا يُسَمُّونَهُ النَّاسُ عُذْرًا شَرْعِيًّا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ مَرْسُومَهُ الْمُعَيَّنَ بَلْ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ مُدَّةَ ذَلِكَ الْعُذْرِ.
فَالْمُدَرِّسُ إذَا مَرِضَ أَوْ الْفَقِيهُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَا جَعَلَ هَذِهِ الْعَوَارِضَ عُذْرًا فِي عَدَمِ مَنْعِهِ عَنْ مَعْلُومِهِ الْمُقَرَّرِ لَهُ بَلْ أَدَارَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْلُومِ عَلَى نَفْسِ الْمُبَاشِرِ فَإِنْ وُجِدَتْ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْلُومٌ وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ وَاسْتَخْرَجْنَا أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ وَالتَّقْرِيرِ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ لَا تَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْخَصَّافَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ قِيَامِ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَوْ كَانَتْ الِاسْتِنَابَةُ تَجُوزُ كَأَنْ قَالَ وَيَجْعَلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى أَنْ يَزُولَ عُذْرُهُ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ اهـ.
وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْن وَهْبَانَ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ لِلْحَجِّ أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ لَا يَنْعَزِلُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ مَعَ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ عَلَيْهِ وَإِلَّا مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ خَلِيفَةً فِي
ــ
[منحة الخالق]
الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ قُلْتُ إنَّ قَوْلَهُ إلَخْ) أَقُولُ: فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَصَادِ فَمَنْ كَانَ يُبَاشِرُ الْوَظِيفَةَ وَقْتَ الْحَصَادِ اسْتَحَقَّ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَدْ كَتَبَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ رِسَالَةً فِي هَذَا وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ يَعْتَبِرُونَ وَقْتَ الْحَصَادِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْتَبِرُونَ زَمَنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْزِيعِ (قَوْلُهُ قُلْتُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ رَأَيْتُ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ الْحَنَفِيِّ الْمِصْرِيِّ وَتَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ «وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ خَلِيفَةً لِيَؤُمَّ فِي زَمَانِ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إمَامُ الْجَامِعِ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الصَّيْرَفِيَّةِ فِي الْكَرَاهِيَةِ مَا نَصُّهُ حَانُوتٌ وُقِفَ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ وَغَابَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَخَلَّفَ خَلِيفَةً يَؤُمُّهُمْ ثُمَّ حَضَرَ فَأُجْرَةُ الْحَانُوتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي غَابَ يَجُوزُ أَخْذُهَا أَمْ لَا قَالَ يَجُوزُ إنْ كَانَ هُوَ أَوْ رَجُلٌ آخَرَ أَجَّرَ الْحَانُوتَ بِأَمْرِهِ وَلَكِنْ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ احْتِيَاطًا اهـ.
فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَنْطُوقِ الْقُنْيَةِ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ جَائِزَةٌ وَمِنْ مَفْهُومِهِ أَنَّ الْغَائِبَ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَنِيبُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَمِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا وَمِنْ عِبَارَةِ الصَّيْرَفِيَّةِ جَوَازُهَا وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ رَجُلٌ آجَرَ الْحَانُوتَ بِأَمْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إمَامٌ يَتْرُكُ الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لِاسْتِرَاحَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ. اهـ.
وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخَصَّافِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يُصَادِمُ كَلَامَ الْخَصَّافِ وَلِذَلِكَ نَصَّ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعْلُومُ مَنْ حَجَّ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ الْخَصَّافِ فِي الْقَيِّمِ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تَمْنَعُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا نُصِبَ لِأَجْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ