مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ مِنْهُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطَى بِحِسَابِهِ مُدَّتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكِهَا كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا فِي جِهَاتِ الْبِرِّ.
وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْأَعْدَلُ إلَى آخِرِهِ وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِالْقَاهِرَةِ فَأَفْتَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ مِنْ اعْتِبَارِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ يَفْرُغُ عَنْ وَظِيفَتِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ بِشَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ وَقَدْ كَانَ بَاشَرَ غَالِبَ السَّنَةِ فَيُنَازِعُهُ الْمَنْزُولُ لَهُ وَيَتَمَسَّكُ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ مِنْ قِسْمَتِهِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَكِنْ بِالْقَاهِرَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْأَقْسَاطُ فَإِنَّهُمْ يُؤَجِّرُونَ الْأَوْقَافَ بِأُجْرَةٍ تُسْتَحَقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَيُقْسَمُ الْقِسْطُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمُبَاشَرَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّعْلِيقَةِ فِي الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ لِابْنِ الصَّائِغِ وَهُوَ بِخَطِّهِ قَالَ وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْمَدَارِسِ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ لِعَدَمِ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ وَلَا صَدَقَةٍ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْخُذُهَا بَلْ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى حَبْسِ أَنْفُسِهِمْ لِلِاشْتِغَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الدَّرْسَ بِسَبَبِ اشْتِغَالٍ وَتَعْلِيقٍ جَازَ أَخْذُهُمْ الْجَامِكِيَّةَ وَلَمْ يَعْزُهَا إلَى كِتَابٍ لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ قَاضِي خَانْ مَا يَشْهَدُ لَهُ حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْلِيمِ قُلْتُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْقَافِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ دَرْسٍ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْأَوْقَافُ بِبُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْوَاقِفِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى مُتَعَلِّمِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَاقِفُ مَا يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ رَقَمَ الْأَوْقَافَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْفُقَهَاءِ قِيلَ التَّرْجِيحُ
ــ
[منحة الخالق]
فِي بَيْتِ الْيَتَامَى وَمِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي وَصَايَا فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ أَفْتَى بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى رُوحِ الْمُوصِي وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ) يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ بَعْدَ تَمَامِ سَنَةٍ مُدَرِّسًا هَلْ يَسْتَحِقُّ مَا هُوَ الْمَشْرُوطُ فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ بِعَمَلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَتَبِعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَ نُقُولٍ رَمَزَ لَهَا صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فَهَذِهِ الْفُرُوعُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِيهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَالْإِمَامَ وَالْمُؤَذِّنَ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ وَقْتُ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ لِهَذِهِ الْوَظَائِفِ شَوْبَ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَرِّسَ يَتَرَدَّدُ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ وَيَقْرَأُ وَيُفِيدُ الطَّلَبَةَ وَيُهْدِي ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ إلَى الْوَاقِفِ وَكَذَا الْفَقِيهُ وَالْإِمَامُ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْعَمَلِ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ مَثَلًا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطِي بِحِسَابِهِ مُدَّتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ زَمَانُ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكُهَا كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْأَعْدَلُ كَذَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَفِيهَا سُئِلَ فِي كَرْمٍ مَوْقُوفٍ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ مَاتَ وَلَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ زَهْرِهِ وَصَيْرُورَتِهِ حِصْرِمًا هَلْ حِصَّتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ أَمْ لِمَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ بَعْدَهُ أَجَابَ هِيَ مِيرَاثٌ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِطُلُوعِ الْغَلَّةِ أَوْ خُرُوجِهَا أَوْ مَجِيئِهَا فِي كَلَامِهِمْ صَيْرُورَتُهَا ذَاتَ قِيمَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَهُ قِيمَةٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَحِصَّتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ مِيرَاثٌ وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ قَالَهُ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ هِلَالٍ يَوْمَ تَجِيءُ الْغَلَّةِ وَتَأْتِي الْغَلَّةُ عَلَى ظُهُورِ الزَّرْعِ مِنْ الْأَرْضِ وَالزَّهْرِ مِنْ الْغُصُونِ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَالُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ صِحَّةِ مَا بَحَثَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ مِنْ أَنَّهُ إنْ خَرَجَتْ الْغَلَّةُ وَأَحْرَزَهَا النَّاظِرُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُ الْمُسْتَحِقِّ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ وَإِنْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي لَا يُورَثُ قِيَاسًا عَلَى الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا إذَا أُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُقَاتِلِينَ يُورَثُ نَصِيبُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُورَثُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مِثْلَ الْمُدَرِّسِ وَالْإِمَامِ أَوْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَقَدْ عَلِمْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute