للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْوَظِيفَةَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ عَنْهَا وَفِي قَوْلِهِ لَا يُؤْخَذُ بَيْتُهُ إنْ غَابَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الْوَظِيفَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُدَرِّسًا إذْ الْمَقْصُودُ يَقُومُ بِهِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّ الدَّرْسَ يَقُومُ بِغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْوَظِيفَةِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ بَلْ الْمُرَادُ بِالْوَظِيفَةِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ رِيعِ وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي قَاضِي خَانْ فِي الْوَقْفِ عَلَى سَاكِنِي دَارِ الْمُخْتَلِفَةِ فَالْمُرَادُ سُقُوطُ سَهْمِهِ فَيُعْطَى لِذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْمَعْلُومِ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْعَزْلِ فِي غَيْرِ فَرْضٍ كَالْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَأَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَأْخُذُ الْمَعْلُومَ وَهَذَا كُلُّهُ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ لَا يُقَالُ فِيهِ يَنْبَغِي بَلْ هُوَ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى سَاكِنِي دَارِ الْمُخْتَلِفَةِ أَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ شُرُوطًا اُتُّبِعَتْ اهـ.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهَذَا ظَهَرَ غَلَطُ مَنْ يَسْتَدِلُّ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ أَوْ الطَّلَبَةِ بِمَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ بِلَا حُضُورِ الدَّرْسِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَالطَّلَبَةِ حُضُورَ الدَّرْسِ فِي الْمَدْرَسَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ إلَّا مَنْ بَاشَرَ خُصُوصًا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ إنَّ مَنْ غَابَ عَنْ الْمَدْرَسَةِ يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَيْهِ زَمَنَ غَيْبَتِهِ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ مَنْ زَادَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى كَذَا أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ وَقَرَّرَ غَيْرَهُ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ فَلَوْ لَمْ يَعْزِلْهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ فَإِنْ قُلْتُ: إذَا كَانَ لَهُ دَرْسٌ فِي جَامِعٍ وَلَازَمَهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَمَّا عَلَيْهِ فِي مَدْرَسَةٍ هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَ الْمَدْرَسَةِ قُلْتُ: لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إذَا بَاشَرَ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بِكِتَابِ الْوَقْفِ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ شُرُوطًا اُتُّبِعَتْ فَإِنْ قُلْتُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ وَشَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ وَصَرَّحُوا فِي الْوَصَايَا بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَكَانَ لَا يَتَعَيَّنُ وَبِهِ تَمَسَّكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ.

قُلْتُ: لَا يَدُلُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ أَخْذَ شَيْءٍ لِلْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَلِذَا يَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَيَلْزَمُ التَّعْيِينُ وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ الْمُدَرِّسِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَمَسَّكُ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَكَانِ بِقَوْلِهِمْ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ فَكَذَا إذَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ النَّاذِرَ لَوْ عَيَّنَ فَقِيرًا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْوَاقِفُ لَوْ عَيَّنَ إنْسَانًا لِلصَّرْفِ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ صَرَفَ النَّاظِرُ لِغَيْرِهِ كَانَ ضَامِنًا فَكَيْفَ يُقَاسُ الْوَقْفُ عَلَى النَّذْرِ.

فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَدَّمْتَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَكَانِ قُلْتُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ وَكَلَامُنَا عِنْدَ الِاشْتِرَاطِ وَفِي الْقُنْيَةِ سَبَّلَ مُصْحَفًا فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لِلْقِرَاءَةِ اهـ.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلِهَا فَإِنْ قُلْتَ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ أُجْرَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صِلَةٌ قُلْتُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّ فِيهِ شَوْبَ الْأُجْرَةِ وَالصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ فَاعْتَبَرْنَا شَائِبَةَ الْأُجْرَةِ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَاعْتَبَرْنَا شَائِبَةَ الصِّلَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَرِّسِ إذَا قَبَضَ مَعْلُومَهُ وَمَاتَ أَوْ عُزِلَ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ حِصَّةَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَأَعْمَلْنَا شَائِبَةَ الصَّدَقَةِ فِي تَصْحِيحِ أَصْلِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ قُرْبَةٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُلَاحَظَةُ جَانِبِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَهُ إنَّ الْمَأْخُوذَ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ لِلْغَنِيِّ

فَإِذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ قُلْتُ لَا يَدُلُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ اسْتِحْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَلِصِلَةِ الْقَارِئِ بِقِرَاءَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ وَهِيَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسْأَلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِحْسَانٍ. اهـ.

يَعْنِي لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا فَتَنَبَّهْ. اهـ.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِ الِاخْتِيَارِ فَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُهُ عَلَى التَّعْلِيمِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا مَرَّ وَبِهَذَا تَعْلَمُ حُكْمَ مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِمَّا يَأْخُذُونَهُ عَلَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي التَّهَالِيلِ وَالْخُتُومَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>