رَأْيِ الْآخَرِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ أَوْصَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَكَانَ لِلْبَاقِي الِانْفِرَادُ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُوصِيَ بِهِ الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مَوْتِهِ امْتَنَعَ الْإِيصَاءُ وَلَوْ جَعَلَهَا الرَّجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ ضَمَّ الْقَاضِي إلَى مَنْ قَبِلَ رَجُلًا أَوْ فَوَّضَ لِلْقَابِلِ بِمُفْرَدِهِ وَلَوْ جَعَلَهَا لِفُلَانٍ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَلَدِي فَإِذَا أَدْرَكَ كَانَ شَرِيكًا لَهُ لَا يَجُوزُ مَا جَعَلَهُ لِابْنِهِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالٍ سَمَّاهُ أَرْضًا وَيَجْعَلَهَا وَقْفًا سَمَّاهَا لَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ جَازَ وَيَكُونُ مُتَوَلِّيًا وَلَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَصَبَ مُتَوَلِّيًا عَلَى وَقْفِهِ ثُمَّ وَقَفَ وَقْفًا آخَرَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مُتَوَلِّيًا لَا يَكُونُ مُتَوَلِّي الْأَوَّلِ مُتَوَلِّيًا عَلَى الثَّانِي إلَّا بِأَنْ يَقُولَ أَنْتَ وَصِيِّي وَلَوْ وَقَفَ أَرَضِينَ وَجَعَلَ لِكُلٍّ مُتَوَلِّيًا لَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ.
وَلَوْ جَعَلَ وِلَايَةَ وَقْفِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ جَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُتَوَلِّي فِي أَمْرِ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَقَفْتُ أَرْضِي عَلَى كَذَا وَكَذَا وَجَعَلْتُ وِلَايَتَهَا لِفُلَانٍ وَجَعَلْتُ فُلَانًا وَصِيًّا فِي تَرِكَاتِي وَجَمِيعِ أُمُورِي فَحِينَئِذٍ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وُجِدَ مَكْتُوبَانِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ فُلَانٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ رَجُلٌ غَيْرُهُ وَالثَّانِي مُتَأَخِّرُ التَّارِيخِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَصَّافِ فِي الشَّرَائِطِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ التَّوْلِيَةَ مِنْ الْوَاقِفِ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي عُقْدَةِ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا بَاقِي الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ وَكَانُوا فِي الْفَضْلِ سَوَاءً تَكُونُ لِأَكْبَرِهِمْ سِنًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ قَالَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ مِنْ أَوْلَادِي فَأَبَى أَفْضَلُهُمْ الْقَبُولَ أَوْ مَاتَ يَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ فِيهِ وَهَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَقَالَ هِلَالٌ الْقِيَاسُ أَنْ يُدْخِلَ الْقَاضِي بَدَلَهُ رَجُلًا مَا كَانَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الَّذِي يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَ مَوْضِعٍ أَقَامَ الْقَاضِي رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ مَا دَامَ الْأَفْضَلُ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ يَلِيهِ فِيهِ فَإِذَا صَارَ أَهْلًا بَعْدَ ذَلِكَ تُرَدُّ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ أَهْلًا لَهَا.
فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ أَجْنَبِيًّا إلَى أَنْ يَصِيرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَهْلًا فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَلَوْ صَارَ الْمَفْضُولُ مِنْ أَوْلَادِهِ أَفْضَلَ مِمَّنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ إيَّاهَا لِأَفْضَلِهِمْ فَيَنْظُرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى أَفْضَلِهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَفْقَرِ فَالْأَفْقَرِ مِنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْأَفْقَرُ مِنْهُمْ.
وَإِذَا صَارَ غَيْرُهُ أَفْقَرَ مِنْهُ يُعْطَى الثَّانِي وَيُحْرَمُ الْأَوَّلُ وَلَوْ جَعَلَهَا لِاثْنَيْنِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ وَأُنْثَى صَالِحَيْنِ لِلْوِلَايَةِ تُشَارِكُهُ فِيهَا لِصِدْقِ الْوَلَدِ عَلَيْهَا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَوْلَادِي فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا حِينَئِذٍ وَلَوْ جَعَلَهَا الرَّجُلَ ثُمَّ عِنْدَ وَفَاتِهِ قَالَ قَدْ أَوْصَيْتُ إلَى فُلَانٍ وَرَجَعْتُ عَنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ لِي بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْمُتَوَلِّي وَصَارَتْ لِلْوَصِيِّ وَلَوْ قَالَ رَجَعْتُ عَمَّا أَوْصَيْت بِهِ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِرُجُوعِهِ. اهـ.
مَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا شَرَطَهَا لِأَفْضَلِهِمْ وَاسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدِّيَانَةِ وَالسَّدَادِ وَالْفَضْلِ وَالرَّشَادِ فَالْأَعْلَمُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَرَعًا وَصَلَاحًا وَالْآخَرُ أَوْفَرَ عِلْمًا بِأُمُورِ الْوَقْفِ فَالْأَوْفَرُ عِلْمًا أَوْلَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ وَغَائِلَتُهُ وَلَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَكِلَاهُمَا وَالِيَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ أَمْرَ الْوَقْفِ لَيْسَ مِنْ أُمُورِ الْوَاقِفِ فَلَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ فِي تَرِكَاتِي وَجَمِيعِ أُمُورِي فَكَانَ تَخْصِيصًا بِمَا عَدَا الْوَقْفَ فَلَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْوِصَايَةَ فِيهَا مُطْلَقَةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَصَّافِ) أَيْ قَبْلَ هَذَا بِخَمْسَةِ أَوْرَاقٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَ مَوْضِعٍ) أَيْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْوَقْفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَبْقَى فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا وَلَّاهُ النَّظَرَ بَقِيَ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْوَاقِفِ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَهُ عَزْلُهُ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَبِالنَّظَرِ إلَى بَقَاءِ الَّذِي وَكَّلَهُ لِأَجْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَهُوَ الْمَوْقُوفُ جُعِلَ كَالْوَصِيِّ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَقُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ النَّظَرَ فِي حَيَاتِهِ كَالْوَكِيلِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ قُلْنَا لَهُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ لِمُشَابِهَتِهِ الْوَكِيلَ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَصِيَّ مِنْ وَجْهٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ هَذَا الِاسْتِنَابُ مَخْصُوصٌ بِالْأَخِيرِ وَهُوَ التَّفْوِيضُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَلَّاهُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ وَيُوصِيَ بِهِ إلَى مَنْ شَاءَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ التَّفْوِيضُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَفِي حَالَةِ الْمَرَضِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ.