إنْ كَانَ الْوِلَايَةُ بِالْإِيصَاءِ يَجُوزُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْمِيمِ اهـ.
فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ شَرَطَهُ لِلرَّشِيدِ الصَّالِحِ مِنْ وَلَدِهِ فَمَنْ يَسْتَحِقُّهُ قُلْتُ فَسَّرَ الْخَصَّافُ الصَّالِحَ بِمَنْ كَانَ مَسْتُورًا لَيْسَ بِمَهْتُوكٍ وَلَا صَاحِبِ رِيبَةٍ وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى قَلِيلَ السُّوءِ لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ وَلَيْسَ بِقَذَّافِ الْمُحْصَنَاتِ وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ أَوْ الْفَضْلِ أَوْ الْخَيْرِ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّشْدَ صَلَاحُ الْمَالِ وَهُوَ حُسْنُ التَّصَرُّفِ.
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ فِي النَّاظِرِ الْمَوْلَى مِنْ الْقَاضِي يَنْصِبُهُ الْقَاضِي فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَجْعَلْ وِلَايَتَهُ إلَى أَحَدٍ وَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ مَا دَامَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْوَاقِفِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ إمَّا لِأَنَّهُ أَشْفَقُ أَوْ لِأَنَّ مِنْ قَصْدِ الْوَاقِفِ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إلَيْهِ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَمَنْ يَصْلُحُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَإِنْ أَقَامَ أَجْنَبِيًّا ثُمَّ صَارَ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ يَصْلُحُ صَرَفَهُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ الثَّانِي إذَا مَاتَ الْمُتَوَلِّي الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ الْوَاقِفِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ غَيْرَهُ وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَوَلِّي أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى لَا يَنْصِبُ الْقَاضِي وَقَيَّدْنَا بِمَوْتِهِ بَعْدَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَاقِفِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وِلَايَةُ النَّصْبِ إلَى الْوَاقِفِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ النَّصْبُ إلَى الْقَاضِي. اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا مَاتَ الْمُتَوَلِّي وَالْوَاقِفُ حَيٌّ فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ قَيِّمٍ آخَرَ إلَى الْوَاقِفِ لَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَيِّتًا فَوَصِيُّهُ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى إلَى أَحَدٍ فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيِّهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا نَصْبُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ فَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَيْسَ الْبَانِي لِلْمَسْجِدِ أَحَقَّ مِنْهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ الْبَانِي أَحَقُّ بِنَصْبِهِمَا مِنْ غَيْرِهِ كَالْعِمَارَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إمَامًا وَمُؤَذِّنًا وَالْقَوْمُ يُرِيدُونَ الْأَصْلَحَ فَلَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْوَقْفُ إذَا كَانَ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ إذَا نَصَبُوا مُتَوَلِّيًا بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْقَاضِي يَصِحُّ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ قَالُوا الْأَوْلَى أَنْ يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي وَمَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدٍ اتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ رَجُلٍ مُتَوَلِّيًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَتَوَلَّى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ هَلْ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا وَيُطْلَقُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ قَلَّدَهُ الْقَاضِي قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَشَايِخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ يُجِيبُونَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَقُولُونَ نَعَمْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي ثُمَّ اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأُسْتَاذُونَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَنْصِبُوا مُتَوَلِّيًا وَلَا يُعْلِمُوا الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ طَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ. اهـ.
وَهَاهُنَا تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقَاضِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إلَخْ) هَذَا عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّهْذِيبِ الْوَاقِفُ جَعَلَ لِلْوَقْفِ قَيِّمًا فَلَوْ مَاتَ الْقَيِّمُ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ آخَرَ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْصِبَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَقَارِبِهِ مَا دَامَ يُوجَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. اهـ.
تَأَمَّلْ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَائِلِ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَوْنَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُمْ بِلَا خِيَانَةٍ وَلَوْ فَعَلَ لَا يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا. اهـ.
لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَهُنَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى الرَّمْلِيِّ فِي فَتَاوَاهُ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّرْطِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِمَفَاهِيمِ التَّصَانِيفِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَهُ فَلَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَانَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا فَأَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْلَى بِنَصْبِهِمَا (قَوْلُهُ وَهَاهُنَا تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَفِي فَتَاوَى شَيْخِنَا مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيِّ سُؤَالٌ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الِاسْتِبْدَالَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَاضِي حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَرْطُ وَاقِفٍ هَلْ الْمُرَادُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَمْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ أَمْ لَا.
الْجَوَابُ لَمْ نَرَ مَنْ قَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ فِي مَنْشُورِهِ كَمَا قَيَّدُوا بِهِ فِي وِلَايَةِ إنْكَاحِ الصَّغَائِرِ وَفِي الِاسْتِخْلَافِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِالْإِطْلَاقِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالِاسْتِبْدَالِ بَلْ كَمَا يَكُونُ مِنْهُ يَكُونُ مِنْ نَائِبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لِنَائِبِهِ إلَّا إنْ فُوِّضَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السُّلْطَانِ وَحَيْثُ فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ كَانَتْ وِلَايَةُ نَائِبِهِ مُسْتَنِدَةً إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ فَيَكُونُ قَائِمًا مَقَامَ مُسْتَنِيبِهِ الَّذِي هُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَلِذَا كَانَ