للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمْدًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَلِأَنَّ آدَمِيَّتَهُ أَنْقَصُ وَيَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ كَالْمَرْأَةِ وَالْجَنِينِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْقَصَ نُصِّفَتْ النِّعَمُ وَالْعُقُوبَاتُ فِي حَقِّهِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَكَذَا فِي هَذَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَمَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً لِأَنَّ دِيَةَ الْأُنْثَى نِصْفُ الذَّكَرِ فَيَكُونُ النَّاقِصُ عَنْ دِيَةِ الْأُنْثَى نِصْفَ النَّاقِصِ عَنْ دِيَةِ الذَّكَرِ كَمَا فِي الْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ أَقَلَّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ عَشَرَةٌ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ لِأَنَّهُ بَعْضُ الدِّيَةِ فَيَنْقُصُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ بِحِسَابِهِ وَلَوْ نَقَصَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ عَشَرَةٌ لَمَا وَجَبَ أَصْلًا.

وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَسَائِلِ الضَّرْبِ وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْجَامِعِ مَسَائِلُ الضَّرْبِ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ أَحَدُهَا فِي ضَرْبِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَالثَّانِي فِي أَمْر أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِضَرْبِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَالثَّالِثُ فِي ضَرْبِ الشَّرِيكِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَصْلُهُ الْعِبْرَةُ فِي الْجِنَايَاتِ لِتَعَدُّدِ الْجَانِي لَا لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَبْرَأُ مِنْ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ وَتَمُوتُ مِنْ جِرَاحَاتٍ قَلِيلَةٍ وَلِهَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ سَوْطَيْنِ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَةً وَضَرَبَهُ الْمَوْلَى سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ أَجْنَبِيٌّ سَوْطًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ بِالسَّوْطَيْنِ أَرْشُ السَّوْطِ الثَّالِثِ مَضْرُوبًا وَهُوَ سُدُسُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَرْشُ السَّوْطِ الْخَامِسِ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِأَرْبَعَةِ أَسْوَاطٍ.

وَيَبْطُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ ضَرَبَهُ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ اثْنَانِ مِنْهَا هَدَرٌ مَعَ السِّرَايَةِ لِلْإِذْنِ وَالثَّالِثُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ بِغَيْرِ إذْنٍ فَيَضْمَنُ أَرْشَهُ مَضْمُونًا بِهِمَا وَالرَّابِعُ هَدَرٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ هَدَرٌ وَالْخَامِسُ مُعْتَبَرٌ فَيَضْمَنُ الْأَجْنَبِيُّ أَرْشَهُ مَنْقُوصًا بِأَرْبَعَةِ أَسْوَاطٍ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ هَذِهِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ خَمْسِ جِنَايَاتٍ فَانْقَسَمَ تَلَفُ التَّلَفِ عَلَى الْجِنَايَاتِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعَدَدِ الْجَانِي لَا لِعَدَدِ الْجِنَايَاتِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَثُلُثَاهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَأْمُورِ الْأَوَّلِ فَانْقَسَمَ هَذَا الثُّلُثُ نِصْفَيْنِ، نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ.

وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْمَمَالِيكِ مَتَى أَتْلَفَتْ نَفْسًا أَوْ عُضْوًا وَأَفْضَى إلَى الْمَوْتِ فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ وَضَمَانُ الدَّمِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْجَانِي عَبْدٌ بَيْن رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا اضْرِبْهُ سَوْطًا فَإِنْ زِدْت فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَةً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ أَرْشِ السَّوْطَيْنِ مَنْقُوصًا سَوْطًا فِي مَالِهِ وَعَلَى الْمُعْتِقِ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ وَعَلَى الضَّارِبِ أَرْشُ السَّوْطِ الثَّالِثِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلِيَسْتَوْفِهَا أَوْلِيَاءُ الْعَبْدِ أَوْ يَأْخُذَ الْمُعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ مَا غَرِمَ وَيَكُونُ الْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ السَّوْطَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ هَدَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَ شَرِيكِهِ وَلَكِنَّهُ بِإِذْنِهِ وَالسَّوْطُ الثَّانِي نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَهُ وَنِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَضْمَنُ أَرْشَ السَّوْطِ الثَّانِي مَضْرُوبًا سَوْطًا فِي مَالِهِ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّ سِرَايَتَهُ انْقَطَعَتْ لَمَّا أَعْتَقَهُ فَاقْتَصَرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَتَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي.

وَصَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِلْمُعْتِقِ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ نَصِيبَ الضَّارِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِيرُ مُكَاتَبًا لَهُ لِأَنَّهُ يُوقَفُ عِتْقُ هَذَا النِّصْفِ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ إلَيْهِ فَالسَّوْطُ الثَّالِثُ لَاقَى مُكَاتَبَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا كُلُّهُ فَيَضْمَنُ الضَّارِبُ جَمِيعَ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الثَّالِثُ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ لِأَنَّ السَّوْطَ الثَّالِثَ حَلَّ بِهِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ سَوْطَيْنِ.

فَلَمَّا مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ مَاتَ مِنْ ثَلَاثِ جِنَايَاتٍ إلَّا أَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ لِاتِّفَاقِ حُكْمِهَا وَاتِّحَادِهِ وَانْهَدَرَتْ سِرَايَتُهُمَا وَالْجِنَايَةُ الثَّالِثَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِأَصْلِهَا وَسِرَايَتَهَا وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَتْ النَّفْسُ تَالِفَةً بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ فَيُهْدَرُ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَيَضْمَنُ الضَّارِبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّهُ مَاتَ مَنْقُوصًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ فَإِنْ ظَفِرَ الْمُعْتِقُ بِمَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ كَمَا لَهُ وَرَثَةٌ وَلِلْحَالِفِ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ وَلَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَيَكُونُ مُسَبِّبًا لِقَتْلِهِ وَالْمُتَسَبِّبُ لِلْقَتْلِ لَا يُحْرَمُ عَنْ الْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>