وَعَلَى الضَّارِبِ الضَّمَانُ كَمَا وَصَفْنَا وَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي مَالِهِ وَنِصْفُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَأْخُذُ الضَّارِبُ مِنْ ذَلِكَ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَلِوَرَثَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحَالِفَ مَتَى كَانَ مُعْسِرًا لَا يَكُونُ لِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ وَإِنَّمَا لَهُ اسْتِسْعَاءُ نَصِيبِهِ فَبَقِيَ نَصِيبُ الضَّارِبِ عَلَى مِلْكِهِ.
وَصَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا لَهُ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عِتْقُ نَصِيبِهِ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ إلَيْهِ وَنَصِيبُ الْمُعْتِقِ صَارَ حُرًّا مَوْلًى لَهُ وَكَانَ السَّوْطُ الْأَوَّلُ هَدَرًا، وَالسَّوْطُ الثَّانِي نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ لِمَا بَيَّنَّا وَالسَّوْطُ الثَّالِثُ كُلُّهُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ لِلضَّارِبِ وَنِصْفَهُ لِمَوْلَى الْحَالِفِ وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ فَكَانَ عَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَضْرُوبًا بِثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ نِصْفُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ وَنِصْفَهُ مُعْتِقُ الْحَالِفِ وَمُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ.
وَمُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مُعْتِقِ غَيْرِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ فَيَسْتَوْفِي الضَّارِبُ مِنْهُ مِقْدَارَ نِصْفِ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ مَالَ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآمِرُ سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ سَوْطًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْمَأْمُورِ نِصْفُ أَرْشِ السَّوْطِ الثَّانِي مَضْرُوبًا سَوْطًا فِي مَالِهِ لِشَرِيكِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَرْشُ السَّوْطِ الثَّالِثِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ وَهُوَ سُدُسُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ فِي مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَرْشُ السَّوْطِ الْخَامِسِ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّ السَّوْطَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ هَدَرٌ وَالسَّوْطَ الثَّانِيَ نِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَغْرَمُ الضَّارِبُ نِصْفَ أَرْشٍ فِي مَالِهِ لِشَرِيكِهِ وَسِرَايَةُ الْجِنَايَتَيْنِ مُهْدَرَةٌ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ السَّوْطِ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ فَكَانَ لِلضَّارِبِ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ.
وَصَارَ نَصِيبُ الضَّارِبِ مِلْكًا لِلْحَالِفِ بِالضَّمَانِ وَصَارَ مُكَاتَبًا لَهُ وَالسَّوْطُ الثَّالِثُ مُعْتَبَرٌ كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَاقَى شَخْصًا نِصْفُهُ مُعْتَقٌ مُكَاتَبٌ لَهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُعْتَقِ وَالْمُكَاتَبِ مُعْتَبَرَةٌ وَالسَّوْطُ الرَّابِعُ مِنْ الْمَوْلَى أَيْضًا مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ لَاقَى شَخْصًا نِصْفُهُ مَوْلًى لِلْآمِرِ وَنِصْفُهُ مُكَاتَبٌ لَهُ وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَوْلَاهُ وَمُكَاتَبِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَغْرَمُ الْآمِرُ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الرَّابِعُ مَنْقُوصًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ وَالسَّوْطُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فَيَغْرَمُ أَرْشَ مَا نَقَصَهُ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ يَغْرَمُ الضَّارِبُ سُدُسَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ ثَلَاثَةً فَقَدْ تَلِفَتْ النَّفْسُ بِجِنَايَاتِ الضَّارِبِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْوَاطٍ إلَّا أَنَّ السَّوْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فَإِنَّ سِرَايَتَهُمَا مُهْدَرَةٌ فَتُجْعَلُ جِنَايَةً وَاحِدَةً.
وَالسَّوْطُ الثَّالِثُ بِأَصْلِهِ وَسِرَايَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ فَهَذَا الثُّلُثُ تَلِفَ بِجِنَايَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ فَيَغْرَمُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَذَلِكَ سُدُسُ الْكُلِّ وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مُعْتَقِ وَمُكَاتَبِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِعِتْقِ نَصِيبِهِ أَثَرٌ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا لَهُ حُكْمًا وَاعْتِبَارًا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ وَمَوْلَى غَيْرِهِ يَكُونُ مِنْ عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الْآمِرِ وَمِنْ الْمَأْمُورِ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْآمِرِ بِذَلِكَ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ لِأَنَّ هَذَا أَرْشٌ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ.
وَمَا بَقِيَ فِي مَالِهِ فَلِعَصَبَةِ الْمَوْلَى الْآمِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ عَصَبَةٌ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهُمَا إلَّا أَنَّ الْآمِرَ بَاشَرَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ مُحَرَّمٍ عَنْ الْمِيرَاثِ فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِأَقْرَبِ عَصَبَاتِ الْآمِرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَفِي طَرَفِ الْمَمْلُوكِ تُعْتَبَرُ بِأَطْرَافِ الْحُرِّ مِنْ الدِّيَةِ إلَى آخِرِهِ فَإِنْ قِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ فَأَيُّ تَقْدِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ آخَرُ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَسَرَى فِيهِ إلَى النَّفْسِ أَوْ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فِي عَدَمِ التَّقْدِيرِ وَالدَّفْعِ فِي غَيْرِهِ وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ.
وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْأَطْرَافِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي النُّفُوسِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَثَلًا مِائَةَ أَلْفٍ فَإِنَّهُ بِقَطْعِ يَدِهِ يَجِبُ خَمْسُونَ أَلْفًا وَبِقَتْلِهِ يَجِبُ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مِنْهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ غَيْرَهُ لَا يُقْتَصُّ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ) وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute