للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمَ جَوَازِ عَزْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا حَلَّ طَلَبُهُ، وَأَنْ يَحْرُمَ عَزْلُهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ عَزْلُهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ طَلَبُهُ لَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ الطَّالِبِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى اهـ.

فَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ أَوْ النِّظَارَةَ أَوْ الْوِصَايَةَ لَا يُوَلَّى، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الطَّالِبَ مَوْكُولٌ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ عَاجِزٌ فَيَكُونُ سَبَبًا لِتَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَفِي وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ.

قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أُفْتِيَ مُنْذُ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْتُ قَيِّمًا عَدَلَ فِي مَالِ ابْنِ أَخِيهِ قَطُّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَلَّدَ الْوِصَايَةَ أَحَدٌ، وَقَدْ قِيلَ اتَّقُوا الْوَاوَاتِ الْوَكَالَةَ وَالْوِصَايَةَ وَالْوِلَايَةَ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ، وَلَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ لِإِطْلَاقِهِمْ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ لَهُ طَلَبَ عَوْدِهَا إذَا عُزِلَ مِنْ قَاضٍ جَدِيدٍ.

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرُ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي نَوْبَتِهِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِرًا أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوْرِ مُعَاوِيَةَ، وَالْمُرَادُ فِي خُرُوجِهِ لَا فِي أَقْضِيَتِهِ، ثُمَّ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَلِيَ الْقُضَاةَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فَلَا، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْجَمَاعَةِ اهـ.

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَسَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ اخْتِيَارًا، وَإِنَّمَا سَلَّمَ لَهُ لَمَّا رَأَى مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَكَانَ مُضْطَرًّا كَمَا فِي الْمُسَايَرَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ حِينَ سَلَّمَ لَهُ الْحَسَنُ، وَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ جَوَازِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.

أَمَّا إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ فَلَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَالْعَادِلُ هُوَ الْوَاضِعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَقِيلَ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ طَرَفَيْ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقَائِدِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ أَوْ فِي الْأَخْلَاقِ، وَقِيلَ الْجَامِعُ بَيْنَ أُمَّهَاتِ كَمَالَاتِ الْإِنْسَان الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الْحِكْمَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْعِفَّةُ الَّتِي هِيَ أَوْسَاطُ الْقُوَى الثَّلَاثِ أَعْنِي الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ وَالْغَضَبِيَّةَ وَالشَّهْوَانِيَّةَ وَقِيلَ الْمُطِيعُ لِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْمُرَاعِي لِحُقُوقِ الرَّعِيَّةِ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إمَامٌ عَادِلٌ، وَالْعَدْلُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ فِي الْأُمُورِ وَهُوَ خِلَافُ الْجَوْرِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ الْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَلَى الْبَدِيهَةِ

الْعَدْلُ أَنْ تَأْتِيَ إلَى أَخِيكَا ... مَا مِثْلُهُ أَنْ يُرْضِيكَا

وَأَطْلَقَ فِي الْجَائِرِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ سَلْطَنَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصِحَّةُ تَوْلِيَتِهِ لِلْقُضَاةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُخَالِفُهُ، قَالَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ كَقُرْطُبَةَ الْآنَ وَبَلَنْسِيَةَ وَبِلَادِ الْحَبَشَةِ، وَأَقَرُّوا الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ عَلَى مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلَّى قَاضِيًا وَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَكَذَا يَنْصِبُونَ إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ. اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مُسْلِمٌ مِنْ جِهَةِ الْكُفَّارِ يَجُوزُ مِنْ إقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ وَتَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَتَزْوِيجِ الْأَيَامَى لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا طَاعَةُ الْكَفَرَةِ فَهِيَ مُوَادَعَةٌ وَمُخَادَعَةٌ، وَأَمَّا فِي بِلَادٍ عَلَيْهَا وُلَاةُ الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ طَلَبُ وَالٍ مُسْلِمٍ اهـ.

وَتَصْرِيحُهُ بِجَوَازِ التَّقَلُّدِ مِنْ الْجَائِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُغَاةَ إذَا وَلَّوْا قَاضِيًا، ثُمَّ جَاءَ أَهْلُ الْعَدْلِ فَرُفِعَتْ قَضَايَاهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ يَمْضِي حَيْثُ كَانَ مُوَافِقًا أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَا فِي

ــ

[منحة الخالق]

مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْوَصِيِّ الْعَدْلِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ اهـ.

قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ دُونَ بَذْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ فَلَمْ يُوَلِّهِ السُّلْطَانُ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الرِّشْوَةَ لِشَيْءٍ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا إنَّ فَرَضِيَّةَ الْحَجِّ تَسْقُطُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَّا بِدَفْعِ الرِّشْوَةِ لِلْأَعْرَابِ فَهَذَا أَوْلَى، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ عَزْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْقَاضِي لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُوَلِّيَهُ فَإِذَا عَزَلَهُ، وَهُوَ وَكِيلٌ عَنْهُ صَحَّ عَزْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ يُمْنَعُ الْمُسْتَحِقُّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إلَخْ) لِبَعْضِهِمْ نَظْمًا

احْذَرْ مِنْ الْوَاوَاتِ أَرْبَعَةً فَهُنَّ مِنْ الْحُتُوفِ ... وَاوُ الْوِلَايَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَالْوُقُوفِ

(قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ مَنْ طَلَبَ تَوْلِيَةَ الْوَقْفِ مَا إذَا عُزِلَ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّ الْعَزْلَ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ فَإِنَّ لَهُ طَلَبَ الْعَوْدِ مِنْ الْقَاضِي الْجَدِيدِ، وَحِينَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَثْبِتْ أَنَّكَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ ثُمَّ يُوَلِّيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَأَنْ تَكُونَ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ فَإِذَا طَلَبَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّمَا طَلَبَ تَنْفِيذَ الشَّرْطِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>