وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ اثْنَيْ عَشَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ هَلَكَ يَغْرَمُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَزْنِ، وَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ اثْنَيْ عَشَرَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَكَذَا هَذَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الْوَزْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا وَلَا ضَمَانَ لِلْمَالِكِ فِي الْأَمَانَةِ، وَإِنْ انْكَسَرَ انْتَقَصَ بِالِانْكِسَارِ مِقْدَارُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ فَضْلِ الْجُودَةِ عَلَى الدَّيْنِ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَأَخَذَ الْمَكْسُورَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ مَضْمُونًا مِنْ الذَّهَبِ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الصِّيَاغَةِ أَرْبَعَةٌ وَوَزْنُ الرَّهْنِ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَيَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ مَا يَتِمُّ بِهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ فَصَارَ قَدْرُ دِرْهَمَيْنِ مِنْ الصِّيَاغَةِ مَضْمُونًا مَعَ الْوَزْنِ وَقَدْرُ دِرْهَمَيْنِ أَمَانَةً فَيُتْرَكُ الْقُلْبُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَلَا يُتْرَكُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ جَعَلَ مُسْتَوْفِيًا ثَمَانِيَةً تَضَرَّرَ بِهِ الرَّاهِنُ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْ الذَّهَبِ تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا وَنَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الرَّهْنِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالْقُلْبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَحَدَ عَشَرَ، أَوَمِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً، أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ثَمَانِيَةً، وَكُلُّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ هَلَكَ أَوْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَاخْتَارَ الرَّاهِنُ التَّرْكَ يُتْرَكُ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ مِنْ الذَّهَبِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الْوَزْنِ إنْ هَلَكَ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالدَّيْنِ وَالِانْكِسَارِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِالرَّهْنِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ وَبِالِانْكِسَارِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ كَانَ الْهَلَاكُ وَالِانْكِسَارُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ بِالدَّيْنِ وَتَمْلِيكُهُ مَتَى كَانَ وَزْنَ ثُلُثَيْهِ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ رَهْنًا بِالصِّيَاغَةِ لَمْ تَزْدَدْ قِيمَتُهُ عَلَى الْوَزْنِ فَلَا عِبْرَةَ لِلصِّيَاغَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ بَعْضُهُ مَضْمُونٌ أَمَانَةً، فَإِذَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالِانْكِسَارِ وَقَعَ التَّغَيُّرُ فِي بَعْضِ الْمَضْمُونِ فَيُتَخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ عِشْرِينَ، فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ ثُلُثَاهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ بِثُلُثَيْهِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ وَزْنًا وَقِيمَتَهُ وَيَهْلِكُ ثُلُثُهُ أَمَانَةً، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مِنْ الْقُلْبِ عَشَرَةٌ وَالصِّيَاغَةُ تَبَعٌ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ فَتَصِيرُ الصِّيَاغَةُ أَيْضًا مَضْمُونَةً تَبَعًا لِلْوَزْنِ وَيَبْقَى الثُّلُثُ أَمَانَةً عِنْدَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَزْنِ وَقِيمَتُهَا خَمْسَةٌ وَوَزْنُ الْقُلْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَ كَأَنَّ وَزْنَ الْقُلْبِ عِشْرِينَ فَيُتْرَكُ نِصْفُ الْقُلْبِ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُنْظَرُ إنْ كَانَ نَقَصَ خَمْسَةً أَوْ أَقَلَّ لَمْ تُعْتَبَرْ وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِانْفِكَاكِ، وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ وَالْبَاقِي لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقِيمَةَ زَادَتْ عَلَى الْوَزْنِ فَهِيَ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ وَهِيَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُصْرَفُ إلَى الصِّيَاغَةِ مَتَى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى وَزْنِهِ وَالْفَائِتُ قَدْرُ الْأَمَانَةِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ وَمَتَى انْقَضَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْوَزْنِ فَقَدْ تَغَيَّرَ مَا هُوَ الْمَضْمُونُ فَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّرْكَ يَتْرُكُ ثُلُثَهُ بِالدَّيْنِ وَيَسْتَرِدُّ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا تَمَلَّكَهُ بِالدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكُونَ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ ثُلُثَاهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ بِالْوَزْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةً، وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ عَنْ الْقُلْبِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضْمَنَ مِنْهُ قَدْرَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الدَّيْنِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ ثُلُثَا الْقُلْبِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةَ جَمِيعًا وَبِالْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَالْمَضْمُونُ مِنْ الدَّيْنِ عَشَرَةٌ وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ.
وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُسَاوِي عَشَرَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ لَا لِلْقِيمَةِ وَقَدْرُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْوَزْنِ عَشَرَةٌ وَعِنْدَهُمَا إنْ اخْتَارَ التَّرْكَ يَتْرُكُ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْقُلْبِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِتَخْيِيرٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ وَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ وَهِيَ عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ هَالِكًا بِمَا فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ عَشْرَةً مِنْ الذَّهَبِ فَيَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute