للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِيمَةَ وَالْجُودَةَ لَا الْوَزْنَ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَإِسْقَاطِ الْجُودَةِ إضْرَارًا بِالرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ لِصَاحِبِ الْمَالِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ عَنْ الْجُودَةِ، وَفِي جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْقُلْبِ مَعْنَى الرِّبَا وَهُوَ اسْتِيفَاءُ عَشَرَةٍ بِثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ الْوَزْنَ وَالْمَوْزُونَ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِالْهَلَاكِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى إضْرَارٍ بِالْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَصَارَ رَاضِيًا بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ بِالْهَلَاكِ مَتَى تَسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ الْقُلْبُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ وَالْوَزْنُ لَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ وَالْجُودَةُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فُلَانًا فَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ بِالدَّيْنِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَزْنِ وَهَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَصَارَ بِالْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ وَفِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ مَضْمُونَةٌ وَسُدُسُهُ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةً وَمُتَقَوِّمَةً إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا فَصَارَ كَأَنَّ الرَّهْنَ اثْنَا عَشَرَ وَزْنًا فَسَاغَ الضَّمَانُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِمَا فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مَضْمُونًا. وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَ إنْ انْتَقَضَ بِالِانْكِسَارِ قِيمَةُ الْقُلْبِ مِنْ الْعَشَرَةِ بِأَنْ صَارَتْ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَزْنِ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ فَتَكُونُ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَيَكُونُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مَضْمُونًا وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الِانْكِسَارِ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ لَمْ تُنْقَضْ قِيمَةُ الْقُلْبِ مِنْ الْعَشَرَةِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الِانْكِسَارِ عَشَرَةً فَالْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ قَدْرَ وَزْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ الْمَضْمُونِ فَيَكُون مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الِانْكِسَارِ وَالْوَزْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَتَصِيرُ الصِّيَاغَةُ كَذَلِكَ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ تَبَعًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا فَيَكُونُ بَعْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا وَالْبَعْضُ أَمَانَةً فَيَشِيعُ الضَّمَانُ فِيهَا الْفَصْلُ الثَّانِي لَوْ كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ ثَمَانِيَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ سَبْعَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً، أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشْرَةَ، وَكُلٌّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ هَلَكَ أَوْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا الْهَلَاكُ بِثَمَانِيَةٍ وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَالِانْكِسَارُ بِالْقِيمَةِ وَفَاءٌ، وَفِي الِانْكِسَارِ تَعَذُّرُ إيجَابِ ضَمَانِ الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَأَوْجَبْنَا ضَمَانَ الْقِيمَةِ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ خِيَارُ التَّمْلِيكِ بِالدَّيْنِ وَالِافْتِكَاكُ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تِسْعَةً فَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ فَالْوَزْنُ إنْ كَانَ يَفِي بِثَمَانِيَةٍ وَالْقِيمَةُ لَا تَفِي بِثَمَانِيَةٍ فَيُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِمَا فِيهِ ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ شَاءَ غَرِمَ قِيمَتَهُ تِسْعَةً وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ الْقُلْبِ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ بِثَمَانِيَةٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ لَا تَفِي بِثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ تُرِكَ بِسَبْعَةٍ مِنْ جِنْسِهِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ثَمَانِيَةً بِسَبْعَةٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرَكَهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ تِسْعَةً وَهَلَكَ يَهْلِكُ بِوَزْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَوَزْنُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً، فَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَالضَّرَرِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلتَّعَذُّرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>