للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الصِّبَاغَةَ وَالْجُودَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلْوَزْنِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بَلْ يَعْتَبِرُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَزْنِ وَلَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْوَزْنِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَصِيبِهِ مُعْتَبَرٌ حَقًّا لِلْعِبَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى الْمَرِيضُ بِقُلْبٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ بِصِيَاغَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثُلُثُ مَالِهِ عَشَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ إلَّا هَذَا الْقُلْبُ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِوَزْنِ الْقُلْبِ كَمَا لَوْ كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ أُلْحِقَ الصِّيَاغَةُ وَالْجُودَةُ بِالْوَزْنِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ فَمَتَى حَصَلَ النُّقْصَانُ يَكُونُ النُّقْصَانُ شَائِعًا فِي الْأَمَانَةِ وَالْمَضْمُونِ فَمَا كَانَ فِي الْأَمَانَةِ ذَهَبَ مَجَّانًا وَمَا كَانَ فِي الْمَضْمُونِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَيَمْلِكُ الرَّهْنَ بِقَدْرِهِ.

وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِنَفْسِهَا فِي حَقِّ الْمُدَايَنَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْمُتْلَفَاتِ وَالْمَضْمُونَاتِ ثُمَّ نَنْظُرُ إنْ كَانَ فِي الْوَزْنِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةُ إلَى الصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالصِّيَاغَةِ وَجَوْدَتُهُ تُضَمُّ إلَى الْوَزْنِ مِنْ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ لَانَ الصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ وَهِيَ بِانْفِرَادِهَا لَا تَصْلُحُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَانَ صَرْفُ الدَّيْنِ إلَى الْوَزْنِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الضَّمَانِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَكَانَ صَرْفُ الدَّيْنِ إلَى الْوَزْنِ، فَإِنَّهُ يَتِمُّ قَدْرُ الدَّيْنِ مِنْ الصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْبَيْعُ أَصْلًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ دُونَ الصِّيَاغَةِ وَالْجُودَةِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالصِّيَاغَةَ تَبَعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْعَيْنِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ فَتُعْتَبَرُ تَبَعًا لِلْوَزْنِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ تَبَعًا لِلْوَزْنِ لَمْ تُعْتَبَرْ تَبَعًا وَأُلْحِقَ بِالْوَزْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الصِّيَاغَةَ تَبَعًا لِلْوَزْنِ يَصِيرُ مُوصِيًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ لَا تَعْتَبِرُ تَابِعَةً لِلْوَزْنِ، وَفِي حَالَةِ الْهَلَاكِ الْوَزْنُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ لَا بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ الصِّيَاغَةُ تَكُونُ مَضْمُونَةً بِالدَّيْنِ، وَفِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ الْوَزْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّبَعُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ.

ثُمَّ الْمَسَائِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ: فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً. وَفَصْلٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. وَفَصْلٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ. وَكُلُّ فَصْلٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: إلَى حَالَةِ هَلَاكٍ وَإِلَى حَالَةِ انْكِسَارٍ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْآخَرِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ كَمَا نُبَيِّنُ فَصَارَ الْكُلُّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَجْهًا:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِالدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَزْنًا وَجَوْدَةً فَتَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِالْهَلَاكِ، وَإِنْ انْكَسَرَ، فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَخَذَ الْمَكْسُورَ وَقَضَى جَمِيعَ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ الذَّهَبِ فَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ تَمَلَّكَ الرَّهْنَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الدَّيْنَ وَأَخَذَ الرَّهْنَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ قَبَضَ الرَّهْنَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَقِيمَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ إذْنِ الْمَالِكِ لَا عَنْ تَعَدٍّ فَلَا يَصْلُحُ مَنَاطًا لِضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَالْعَقْدُ مُوجِبُ الضَّمَانِ لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُ الرَّهْنِ فَمَتَى تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقِيمَةِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الدَّيْنِ فَجَعَلَتْهُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا، وَقَدْ أَنْعَمَ هُنَا بِهَلَاكِهَا فَجَعَلَتْهُ بِالدَّيْنِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ لِتَمَلُّكِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَلَكِنَّ الْمُرْتَهِنَ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِمَالِيَّةِ الْعَيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَكَانَ ضَمَانُ الرَّاهِنِ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْفَائِتِ بِالِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْجُودَةُ دُونَ الْقَدْرِ وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْقَدْرِ دُونَ الْجُودَةِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمَكْسُورِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ.

وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْأَعْيَانِ بِقِيمَتِهَا مَشْرُوعٌ، وَهَذَا تَفَقُّهٌ وَهُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِ الرَّهْنِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِقَبْضِهِ فَصَارَ كَالْقُلْبِ الْمَغْصُوبِ إذَا انْكَسَرَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ فَكَذَا هَذَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْوَزْنِ إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ فَهُمَا اعْتَبَرَا

<<  <  ج: ص:  >  >>