بِالْإِعْتَاقِ أَتْلَفَ حَقَّ الْغَرِيمِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ عَبْدٌ ابْتَاعَهُ الْمَيِّتُ فَرَجَعَ الْمُشْتَرِي فِي مِيرَاثِ الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا قَبَضَ الْمَيِّتُ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) الْمُرَادُ بِالْحَجَرَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَكَانَتْ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ الدَّيْنِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ أَكْثَرَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرُ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِمِثْلِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ لَمْ يَذْهَبْ بِالدَّيْنِ وَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ دَيْنَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ، وَلَوْ رَهَنَهُ كُرَّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي مِائَةً بِكُرِّ دَقِيقٍ يُسَاوِي مِائَةً فَضَاعَ الدَّقِيقُ دَفَعَ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْهَبْ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَيْلًا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ أَوْ رَهَنَهُ كُرًّا جَيِّدًا بِكُرَّيْنِ رَدِيئَيْنِ وَالرَّهْنُ يُسَاوِي كُرًّا وَنِصْفًا مِنْهَا فَهَلَكَ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَذْهَبُ بِكُرٍّ رَدِيءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْجُودَةِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا فَصَارَ الْكُرُّ الْجَيِّدُ رَهْنًا بِكُرَّيْنِ رَدِيئَيْنِ نِصْفُهُ بِهَذَا وَنِصْفُهُ بِذَاكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَيْ كُرِّهِ وَأَعْطَاهُ الدَّيْنَ، وَإِنْ شَاءَ صَيَّرَ الْكُرَّ بِأَحَدِ الْكُرَّيْنِ وَأَعْطَاهُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا لَهَا قِيمَةٌ فِي غَيْرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالرَّهْنُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ لَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقَةً فَصَارَ كَمَنْ لَهُ الْجِيَادُ إذَا اسْتَوْفَى الرَّدِيءَ وَمَنْ لَهُ الرَّدِيءُ إذَا اسْتَوْفَى الْجِيَادَ وَهَلَكَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَهَذَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا كُرًّا مِنْ طَعَامٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ بِكُرَّيْنِ قِيمَتهمَا مِائَتَانِ فَأَصَابَ الْكُرَّ الرَّهْنَ كَانَ مِنْهُ مِائَةٌ مَضْمُونَةٌ مَا نَقَصَهُ مِائَةً وَكَيْلُهُ وَافٍ عَلَى حَالِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ كُرٌّ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْكُرَّ الرَّهْنَ كَانَ مِنْهُ مِائَةٌ مَضْمُونَةٌ بِأَحَدِ كُرَّيْ الدَّيْنِ وَكَانَتْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ مَضْمُونَةً بِأَحَدِ كُرَّيْ الدَّيْنِ وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةِ فَكَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلُ مِائَتَيْنِ فِي الْجُودَةِ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ فَمِائَةٌ مِنْهَا مَضْمُونَةٌ وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى أَمَانَةٌ فَلَمَّا أَصَابَهُ بِالنَّقْصِ مِنْ جُودَتِهِ مِائَةٌ جَعَلْنَا نِصْفَهَا مِنْ الْأَمَانَةِ وَنِصْفَهَا مِنْ الضَّمَانِ فَسَقَطَ عَنْهُ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ وَهِيَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَغَرِمَ حِصَّةَ الضَّمَانِ وَهِيَ كُرٌّ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ هَلَكَ نِصْفُهُ، ثُمَّ أَصَابَ النِّصْفَ الثَّانِيَ مَاءٌ فَصَارَ مِائَةً وَنَقَصَهُ الْمَاءُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا يَغْرَمُ الْمُرْتَهِنُ كُرًّا قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْهَالِكَ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ أَمَانَةٌ وَثُلُثَاهُ مَضْمُونٌ فَبَطَلَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ كُرٍّ يُسَاوِي مِائَةً فَكَانَ الْمَضْمُونُ نِصْفَهُ. وَأَمَّا النِّصْفُ الثَّانِي لَمَّا نَقَصَهُ الْمَاءُ خَمْسِينَ مِنْ الْجُودَةِ كَانَتْ هَذِهِ الْخَمْسُونَ نِصْفُهَا أَمَانَةٌ وَنِصْفُهَا مَضْمُونَةٌ فَبَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَزِمَهُ نِصْفُ كُرٍّ يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَهَنْت بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجُودَةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَهُ إذَا هَلَكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قُلْت قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِيُنْتَقَضَ قَبْضُ الرَّهْنِ، ثُمَّ يُجْعَلُ الضَّمَانُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَتِهِ مِنْ جُودَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَأَسْقَطْنَا الْقِيمَةَ فِيهِ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِهِمَا أَدَّى إلَى الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّ الْجُودَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَاسْتِيفَاءِ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ هُنَا وَلِهَذَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِتَعَذُّرِ النَّقْضِ، وَقِيلَ هَذِهِ فُرُوعٌ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ، ثُمَّ عَلِمَ مَكَانَ الزِّيَافَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ قَاضِي خان إنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ قَالَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَئِنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الزُّيُوفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ، وَقَدْ تَمَّ بِهَلَاكِهِ وَالرَّهْنُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ، وَقَدْ أَمْكَنَ التَّضْمِينُ قَالَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute