للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ بَلْ بِذَكَرِ رَدِيفِهِ وَلَازِمِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فَالْمَقْصُودُ بِقَوْلِنَا أَظْفَارُ الْمَنِيَّةِ اسْتِعَارَةُ السَّبُعِ لِلْمَنِيَّةِ كَاسْتِعَارَةِ الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فِي قَوْلِنَا رَأَيْت أَسَدًا لَكِنَّا لَمْ نُصَرِّحْ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ أَعْنِي السَّبُعَ بَلْ اقْتَصَرْنَا عَلَى ذِكْرِ لَازِمِهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكِنَايَةِ فَالْمُسْتَعَارُ هُوَ لَفْظُ السَّبُعِ الْغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ، وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ، وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ هُوَ الْمَنِيَّةُ إلَى آخِرِهِ، وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ.

فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ وَاَلَّتِي هُجِرَتْ وَغَلَبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ كِنَايَةٌ، وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ صَرِيحٌ وَغَيْرُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ، وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ يُقْصَدُ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٍ لَهُ وَهِيَ لَا تُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَإِنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ لَكِنْ قَصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنَى ثَانٍ كَمَا فِي طَوِيلِ النِّجَادِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ اهـ.

وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ عَنْ انْكِشَافِ الْمُرَادِ فِيهَا بِوَاسِطَةِ التَّفْسِيرِ، وَالْبَيَانِ وَدَخَلَ فِيهَا الْمُشْكِلُ، وَالْمُجْمَلُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ قَضَاءً إلَّا بِإِحْدَى هَذَيْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنْ مَا عَدَا الثَّلَاثَ مِنْهَا لَمْ يَرِدْ بِهَا الطَّلَاقُ أَصْلًا بَلْ مَا هُوَ حُكْمُهُ مِنْ الْبَيْنُونَةِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُفِيدَةُ لِمَقْصُودِهِ وَمِنْهَا تَقَدُّمُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ طَلَاقَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشِيئَةِ، وَالْآخَرُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِتَقَدُّمِ الصَّرِيحِ عَلَيْهَا، وَالْحَالُ فِي اللُّغَةِ صِفَةُ الشَّيْءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ يُقَالُ حَالٌ حَسَنٌ وَحَسَنَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قَيَّدْنَا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَنَوَاهُ عَنْ الْوَثَاقِ لَا يَقَعُ دِيَانَةً، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ صَدْرِ الْقُضَاةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ تَدَعْ يَحْلِفُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ن قَالَ أَبُو نَصْرٍ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أَمْ هِيَ تُحَلِّفُهُ قَالَ يُكْتَفَى بِتَحْلِيفِهَا إيَّاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا حَلَّفَتْهُ فَحَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي إلَى سُؤَالِ السَّائِلِ إنْ قَالَ: قُلْت كَذَا هَلْ يَقَعُ يَقُولُ نَعَمْ إنْ نَوَيْت، وَإِنْ قَالَ: كَمْ يَقَعُ يَقُولُ وَاحِدَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْأُولَى تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ بِالنِّيَّةِ وَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا مِنْ إطْلَاقِ الْحُكْمِ وَإِرَادَةِ الْعِلَّةِ وَلَا يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ طَلِّقِي لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَنْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ التَّوَافُقَ فِي الصِّيغَةِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا بِالْأَصَالَةِ فَغَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّلْوِيحِ، وَالِاعْتِدَادِ شَرْعًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مُخْتَصٌّ بِالطَّلَاقِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَالشَّبَهِ كَالْمَوْتِ وَحُدُوثِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَارْتِدَادِ الزَّوْجِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اعْتَدِّي مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَيْ طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي أَوْ اعْتَدِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك فَفِي الْمَدْخُولِ يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَفِي غَيْرِهَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا هُوَ الْكِنَايَةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ بَلْ هِيَ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ التَّنْقِيحِ أَمَّا هَذِهِ فَهِيَ الِاسْتِعَارَةُ الْمَكِنِيَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْمُصَرَّحَةِ ثُمَّ رَأَيْته تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَعْنَى الْكِنَايَةِ عِنْدَهُمْ بِنَحْوِ مَا يَأْتِي قَالَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الِاسْتِعَارَةُ بِالْكِنَايَةِ الَّتِي مِنْ الْمَجَازِ بِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي نَحْوِ اعْتَدِّي كَمَا سَيَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>