للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتِمْرَارِهِ وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ إذْ قَدْ يَجُرُّ إلَى وُجُودِهِ آخَرَ الْحَيَاةِ الِاعْتِيَادُ خُصُوصًا وَالشَّيْطَانُ مُنْقَطِعٌ مُجَرِّدٌ نَفْسَهُ لِسَبِيلٍ لَا شُغْلَ لَهُ سِوَاك فَيَجِبُ تَرْكَ الْمُؤَدِّي إلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ إذْ لَا مُسْلِمَ يَشُكُّ فِيهِ وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِمُطْلَقِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ عَلِمْت غَلَطَهُ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ مَنَعَ مُنَاكَحَتَهُمْ وَلَيْسَ هُوَ إلَّا مَحْضُ تَعَصُّبٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا خُصُوصًا قَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِدُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْكُلَّابِيَّةِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ اهـ.

فَالْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا بِكَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ حَتَّى صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ مِنْهُ مَرَّةً عَدَمُ الْوُضُوءِ مِنْ الْحِجَامَةِ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ رَآهُ يُصَلِّي فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الِاحْتِيَاطَ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ عَدَمَهُ فَلَا صِحَّةَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ عَدَمَهُ فِي خُصُوصِ مَا يَقْتَدِي بِهِ أَوْ فِي الْجُمْلَةِ صَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْأَوَّلَ وَغَيْرُهُ اخْتَارَ الثَّانِيَ

وَفِي فَتَاوَى الزَّاهِدِيِّ إذَا رَآهُ احْتَجَمَ ثُمَّ غَابَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ أَوْلَى الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ شَيْئًا فَالْكَرَاهَةُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ إذَا صَلَّى حَنَفِيٌّ خَلْفَ مُخَالِفٍ لِمَذْهَبِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي وَلَا اعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ شَاهَدَ الْحَنَفِيُّ إمَامَهُ الشَّافِعِيَّ مَسَّ امْرَأَةً

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهُوَ) تَفْسِيرٌ لِلشَّرْطِ

(قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الِاحْتِيَاطَ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِالِاحْتِيَاطِ الْإِتْيَانُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ أَوْ مَا يَشْمَلُ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ عِنْدَنَا كَتَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِانْتِقَالَاتِ وَتَأْخِيرِ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ كَالشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْكَرَاهَةِ اهـ.

إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُفْسِدِ وَالْمُفْسِدُ إنَّمَا هُوَ تَرْكُ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ فَقَطْ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ فِي الِاقْتِدَاءِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي وَأَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْمُبْطِلِ يَتْبَعُ مَذْهَبَهُ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْمُبْطِلِ فَإِذَا فَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ بِدُونِ كَرَاهَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَعَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فَهَلْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَفْضَلُ أَمْ الِانْفِرَادُ قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ أَرَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَاَلَّذِي يَحْسُنُ عِنْدِي الْأَوَّلُ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُهُمْ بِهِ وَقَدْ كُتِبَتْ عَلَى شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ لِلْغَزِّيِّ كِتَابَةٌ حَسَنَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت وَصُورَةُ مَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِ مَا هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَوْ الِانْفِرَادُ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وَيَحْسُنُ عِنْدِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي الثَّانِي تَرْكَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ حَنَفِيٌّ يُقْتَدَى بِهِ الْأَفْضَلُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا مَعَ وُجُودِ شَافِعِيٍّ صَالِحٍ عَالِمٍ تَقِيٍّ نَقِيٍّ يُرَاعِي الْخِلَافَ بِهِ تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ مَا أَظُنُّ فَقِيهَ نَفْسٍ يَقُولُ بِهِ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُهُمْ بِمَا جَنَحْتُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ.

قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ هَؤُلَاءِ أَوْ الِانْفِرَادُ قِيلَ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَاسِقِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَوْلَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى خَلْفَهُ يُحْرِزُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يَنَالُ ثَوَابَ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ وَأَمَّا الْآخَرُونَ يَعْنِي الْعَبْدَ وَالْأَعْرَابِيَّ وَالْفَاسِقَ وَوَلَدَ الزِّنَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ تَكْرَهُ إمَامَتَهُمْ اهـ

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا وَجَدَ غَيْرَهُمْ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَافِعِيٌّ تَقِيٌّ يَحْتَاطُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَإِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ خَلْفَ فَاسِقٍ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الدَّيْنِ فَمَا بَالُكَ بِشَافِعِيٍّ تَقِيٍّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا نَفْيُ الْمُؤَلِّفِ الْكَرَاهَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّنْزِيهِيَّةُ الثَّابِتَةُ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ) تَقَدَّمَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَاعِيًا لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ عِنْدَنَا فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا (قَوْلُهُ فِي خُصُوصِ مَا يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ بِأَنْ رَآهُ احْتَجَمَ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ غَيْبَةٍ وَلَا إعَادَةِ وُضُوءٍ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ الْمُرَاعَاةِ فِي خُصُوصِ مَا يُقْتَدَى بِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ بِأَنْ رَآهُ صَلَّى بِلَا إعَادَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي فَهَذِهِ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ عَدَمُ الْمُرَاعَاةِ فِيهَا لَكِنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ مِنْهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا فَقَدْ عَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ الِاحْتِيَاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>