للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَفِّ الرِّجَالِ بَلْ يَدْخُلُ فِي صَفِّهِمْ وَأَنَّ مَحَلَّ هَذَا التَّرْتِيبِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ حُضُورِ جَمْعٍ مِنْ الرِّجَالِ وَجَمْعٍ مِنْ الصِّبْيَانِ فَحِينَئِذٍ تُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ عَنْ الصُّفُوفِ كَجَمَاعَتِهِنَّ، وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلُوا مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنْ الصُّفُوفِ، ثُمَّ مَا يَلِي مَا يَلِيهِ وَهَلُمَّ جَرًّا وَإِذَا اسْتَوَى جَانِبَا الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقُومُ الْجَائِي عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ الْيَمِينُ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَسَارِهِ

وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا وَإِلَّا فَيَنْتَظِرُ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» .

وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ» .

وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ لِأَجْلِهِ بَلْ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةٌ لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْقِيَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي، وَفِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ هَكَذَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْزَلَ الرَّحْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُنْزِلُهَا أَوَّلًا عَلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ تَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى مَنْ بِحِذَائِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَامِنِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَاسِرِ، ثُمَّ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «يُكْتَبُ لِلَّذِي خَلْفَ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ مِائَةُ صَلَاةٍ وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي سَائِرِ الصُّفُوفِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً» . وَجَدَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً دُونَ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيَخْرِقَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَسُدُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ تَأْخِيرِهَا وَلِحُكْمِ مُحَاذَاتِهَا لِلرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَبِمُحَاذَاةِ الْأَمْرَدِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ السَّابِقُ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعَجُوزَ خَلْفَ الصَّفِّ» ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ مَا تَأَخَّرَتْ الْعَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَمُفْسِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» وَالْحَنَفِيَّةُ يَذْكُرُونَهُ مَرْفُوعًا وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ مَنَعَ رَفْعَهُ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُفِيدُ افْتِرَاضَ تَأَخُّرِهِنَّ عَنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ آحَادًا وَقَعَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: ٢٢٨] فَإِذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ بَعْدَمَا دَخَلَتْ فِي

ــ

[منحة الخالق]

يَجُوزُ إثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَحَذْفُ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَانْظُرْ لِمَا كَتَبْنَا فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى الْعَيْنِيِّ.

(قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ فَلَمَّا أُقِيمَتْ آثَرَ غَيْرَهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ لِمَا قَدْ عَلِمْت اهـ.

قُلْتُ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي كِتَابِهِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَالَ لَمْ أَرَهَا الْآنَ لِأَصْحَابِنَا وَنَقَلَ فُرُوعًا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْهِبَةِ مِنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَأَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ الْفُقَرَاءَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالْإِيثَارُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْضَلُ اهـ.

وَفِي حَاشِيَتِهَا لِلسَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ نَقْلًا عَنْ النِّصَابِ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ إلَى الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ.

قَالَ فَهَذَا مُفِيدٌ لِجَوَازِ الْإِيثَارِ فِي الْقُرْبِ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ.

(قَوْلُهُ وَالْحَنَفِيَّةُ يَذْكُرُونَهُ مَرْفُوعًا إلَخْ) قَالَ الْبَلْبَانِيُّ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَعَزَاهُ إلَى كِتَابِ رَزِينِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعَبْدَرِيِّ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ سَنَدٌ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ أَشَارَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي أُصُولِهِ الَّتِي سَمِعَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْمُصَنَّفَةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي بَعْضِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْمُوَفَّقُ بْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ اسْتِدْلَالَ عَامَّةِ الْفُحُولِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَالْعُدُولِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفُقَهَائِنَا مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِي الْمُخَالِفِينَ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ يَرْفَعُ وَهْمَ مَنْ يَتَوَهَّمُ ضَعْفَهُ كَيْفَ وَإِطْلَاقُهُمْ الْقَوْلَ بِشُهْرَتِهِ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ طَرِيقُ سَنَدِهِ كَمَا فِي مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ مِنْ النُّصُوصِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>