للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ وَنَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ فَلَمْ تَتَأَخَّرْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضَ الْمَقَامِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهَا دُونَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّقَدُّمُ بِخُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَهَذَا فِي مُحَاذَاةِ غَيْرِ الْإِمَامِ، أَمَّا فِي مُحَاذَاةِ إمَامِهَا فَصَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْبَيْتِ إنْ كَانَ قَدَمُهَا بِحِذَاءِ قَدَمِ الزَّوْجِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمَا بِالْجَمَاعَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا حَاذَتْ إمَامَهَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ الْفَسَادِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَدَ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ عَوْرَةٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ الَّذِي يُلْحِقُهُ بِالْمَرْأَةِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ اهـ.

وَهُوَ قَاصِرُ الْإِفَادَةِ فَإِنَّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ إذَا وَقَفَتْ فِي الصَّفِّ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَمَنْ عَنْ يَسَارِهَا وَمَنْ خَلْفَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيمَنْ خَلْفَهَا فَالتَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ لِلْمُحَاذَاةِ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْمُحَاذَاةُ الْمُفْسِدَةُ أَنْ تَقُومَ بِجَنْبِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ أَوْ قُدَّامَهُ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُمَاسَّةَ بَدَنِهَا لِبَدَنِهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ أَنْ تَكُونَ عَنْ جَنْبِهِ بِلَا حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْحَائِلِ وَالْفُرْجَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدُّكَّانِ دُونَ الْقَامَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْأَرْضِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ لِبَعْضِ بَدَنِهَا لِكَوْنِهَا عَنْ جَنْبِهِ وَلَيْسَ هُنَا مُحَاذَاةٌ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ وَلَا بِالْقَدَمِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ فِي بَيْتِهَا مَعَ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ قَدَمَاهَا خَلْفَ قَدَمِ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهَا طَوِيلَةٌ يَقَعُ رَأْسُهَا فِي السُّجُودِ قِبَلَ رَأْسِ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ اهـ.

وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: وَحَدُّ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَالرَّجُلُ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا أَوْ خَلْفَهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقَيَّدَ بِالْمُشْتَهَاةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُشْتَهَاةِ لَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالسِّنِّ مِنْ السَّبْعِ عَلَى مَا قِيلَ أَوْ التِّسْعِ عَلَى مَا قِيلَ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ ضَخْمَةً عَبْلَةً وَالْعَبْلَةُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهُوَ قَاصِرٌ) أَيْ اعْتِبَارُ السَّاقِ وَالْكَعْبِ أَوْ الْقَدَمِ وَفِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَاصِرٌ لِأَنَّ مَنْ خَلْفَهَا إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ مُحَاذِيًا لَهَا كَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ وَذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي كَافِيهِ يَعْنِي بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ. نَعَمْ هَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَمُقْتَضَى دَلِيلِهِمْ الْإِطْلَاقُ اهـ.

أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ تَتَحَقَّقُ فِيمَنْ خَلْفَهَا أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي مُسَامِتًا لَهَا بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ أَيْ غَيْرَ مُنْحَرِفٍ عَنْ يَمْنَةٍ أَوْ يَسْرَةٍ فَلَوْ كَانَ خَلْفَهَا لَكِنَّهُ مُنْحَرِفٌ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا لَهَا بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ لِوُجُودِ الْفُرْجَةِ بِذَلِكَ الِانْحِرَافِ وَهَذَا الْمَعْنَى سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَاذَاةِ الْقَدَمُ فَقَطْ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ قَاضِي خَانْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ فِي السِّرَاجِ عَنْ النِّهَايَةِ نَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوًا مِنْهَا هُوَ قَدَمُهَا لَا غَيْرُهَا فَإِنَّ مُحَاذَاةَ غَيْرِ قَدَمِهَا لِشَيْءٍ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُسَبِّبُ فَسَاد صَلَاتِهِ اهـ.

لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ إلَخْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْفَسَادُ بِمُحَاذَاةِ أَيِّ عُضْوٍ مِنْهَا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ السَّاقَ وَالْكَعْبَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ شَرَطْنَا الْمُحَاذَاةَ مُطْلَقًا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ الْأَعْضَاءِ وَبَعْضَهَا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الْمُحَاذَاةَ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوًا مِنْهَا عُضْوٌ مِنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَرَجُلٌ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلَ شَيْءٌ مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ اهـ.

لَكِنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَيَّنَ هَذِهِ الصُّورَةَ لِتَكُونَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ مُحَاذِيَةً لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوًا مِنْهَا هُوَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ لَا غَيْرُهَا فَإِنَّ مُحَاذَاةَ غَيْرِ قَدَمِهَا الشَّيْءَ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي أَوَاسِطِ فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَمِنْ لَا يَصِحُّ

وَقَالَ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْبَيْتِ إلَخْ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعُضْوِ غَيْرُ مُرَادٍ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَقَلَ فِي السِّرَاجِ كَلَامَ النِّهَايَةِ وَأَقَرَّهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ ثَانِيًا عَنْ قَاضِي خَانْ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ وَحَدُّ الْمُحَاذَاةِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا بِدَلِيلِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَإِنَّ تَعْيِينَ هَذِهِ الصُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِعُضْوِ الْمَرْأَةِ الْقَدَمُ لَا غَيْرُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ) أَيْ وَهِيَ هُنَا غَيْرُ مُحَاذِيَةٍ بِسَبَبِ تَأَخُّرِ قَدَمِهَا عَنْهُ أَمَّا لَوْ وَقَفَتْ إلَى جَنْبِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ تَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>