عَبْدَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ فِي قَبْضِ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدًا مَأْذُونًا حُرًّا بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى الْمَأْمُورِ دَيْنٌ صَارَ قِصَاصًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ وَعِنْدَهُ لَا، وَالْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ إذَا بَاعَاهُ مَعًا فَبَيْعُ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى.
الثَّانِي: إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَوَكَّلَ الْغَرِيمُ مَوْلَاهُ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَبْرَأْ الْعَبْدُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ عَبْدِهِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَامِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُهُ، فَإِنْ عَايَنَ الشُّهُودُ قَبْضَهُ رَدَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْمَدْيُونِ، وَالْغَرِيمِ. الرَّابِعُ فِي تَوْكِيلِ الشَّرِيكِ الْعَبْدَ، وَالْأَجْنَبِيِّ الْمَوْلَى فِي دَيْنِهِمَا فَالْأَوَّلُ لِلْعَبْدِ التَّاجِرِ وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَكَّلَ الشَّرِيكُ الْعَبْدَ بِقَبْضِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ وَمَا قَبَضَهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا الثَّانِي مِنْ الثَّالِثِ إذَا كَانَ لِلْمَأْذُونِ وَلِشَرِيكِهِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَجَحَدَهَا فَوَكَّلَا الْمَوْلَى بِالْخُصُومَةِ مَعَ غَرِيمِهَا جَازَ كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمَأْذُونُ مَوْلَاهُ بِالْخُصُومَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَوْلَى فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِإِيفَاءِ الْخَصْمِ لَهُمَا جَازَ إقْرَارُهُ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ جَائِزٌ هَلْ يَرْجِعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَذَّبَا الْوَكِيلَ فِي إقْرَارِهِ أَوْ صَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ صَدَّقَاهُ فِي إقْرَارِهِ فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا إنْ كَذَّبَاهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى عَلَى الْعَبْدِ دَيْنًا رَجَعَ الشَّرِيكُ فِي رَقَبَتِهِ بِنِصْفِ حِصَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَيْنٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ يَصِحُّ فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِ الْغَرِيمِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الشَّرِيكُ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَلَوْ وَكَّلَ الشَّرِيكُ الْعَبْدَ بِالْخُصُومَةِ فَأَقَرَّ أَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ بَرِئَ الْغَرِيمُ مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ وَيَقْبِضُ الْعَبْدُ نِصْفَ الدَّيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكُ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَ حَقَّهُ فَوَكَّلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ بِخُصُومَتِهِ أَوْ بَعْضَ غُرَمَائِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِاسْتِيفَاءِ الْعَبْدِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ بِرُبْعِ الدَّيْنِ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِرُبْعِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ
وَإِذَا وَكَّلَ مَأْذُونًا يَشْتَرِي لَهُ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ النَّسِيئَةَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، فَإِذَا دَخَلَ الْأَجَلُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْعَبْدِ ثُمَّ يَرْجِعَ الْعَبْدُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا أَوْ مَحْجُورًا أَوْ مَعْتُوهًا ثُمَّ أَدْرَكَ أَوْ أَفَاقَ لَمْ تَعُدْ الْعُهْدَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا وَقْتُ الْعَقْدِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا جُنَّ فَأَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ تَعُودُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا وَقْتُ الْعُهْدَةِ مِنْ أَهْلِهَا. الْخَامِسُ: لَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَوَكَّلَ عَبْدَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ جَازَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ذَلِكَ، وَالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِيمَا يَقْبِضُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ لِرَجُلٍ عَلَى عَبْدَيْنِ مَأْذُونَيْنِ فِي التِّجَارَةِ دَيْنٌ فَوَكَّلَ أَحَدَهُمَا بِقَبْضِهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْلَاهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ صُدِّقَ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَوَكَّلَ الْغَرِيمُ ابْنَ الْعَبْدِ أَوْ أَبَاهُ أَوْ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبَهُ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ ذَلِكَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ بِذَلِكَ جَازَ فَلَوْ وَكَّلَ ابْنَهُ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْهَنُ وَيَسْتَرْهِنُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَرَهَنَ بِهِ رَهْنًا وَوَضَعَاهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ دَيْنُ الْغَرِيمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ عَبْدِهِ فَكَذَا لَا يَصْلُحُ عَبْدُهُ، وَلَوْ لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا مِنْ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَلِلْبَاقِينَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا. اهـ.
وَأَطْلَقَ قَوْلَهُ: يَرْهَنُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا أَوْ لَا رَهْنَ عِنْدَ الْمَوْلَى أَوْ عِنْدَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَهِنًا فَلَوْ رَهَنَ مِنْ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ يَتَوَقَّفُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ وَيُضَارِبُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُضَارَبَةُ أَخْذًا وَدَفْعًا وَكَذَا الْإِجَارَةُ بِأَنْ يُؤَجِّرَ غِلْمَانَهُ وَيَسْتَأْجِرَ أَحْرَارًا وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا وَمُسَاقَاةً؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّارِعُ تَاجِرُ رَبِّهِ» وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا وَيَزْرَعَهُ فِيهَا وَيَسْتَأْجِرَ الْبُيُوتَ، وَالْحَوَانِيتَ وَيُؤَجِّرَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute