للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ السَّامِعَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلتَّالِي تَحْقِيقًا حَتَّى يَلْزَمَهُ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمَا اهـ.

ثُمَّ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ عِنْدَنَا السَّجْدَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: ٣٧] ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَمَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَرَجَّحَ أَئِمَّتُنَا الْأَوَّلَ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ عِنْدَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ السَّجْدَةَ لَوْ وَجَبَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ {تَعْبُدُونَ} [فصلت: ٣٧] فَالتَّأْخِيرُ إلَى قَوْلِهِ {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] لَا يَضُرُّ وَيَخْرُجُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَلَوْ وَجَبَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] لَكَانَتْ السَّجْدَةُ الْمُؤَدَّاةُ قَبْلَهُ حَاصِلَةً قَبْلَ وُجُوبِهَا وَوُجُودُ سَبَبِ وُجُوبِهَا فَيُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الصَّلَاةِ لَوْ كَانَتْ صَلَاتِيَّةً، وَلَا نَقْصَ فِيمَا قُلْنَا أَصْلًا وَهَذَا هُوَ أَمَارَةُ التَّبَحُّرِ فِي الْفِقْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ إمَامًا أَوْ سَمِعَ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ أَوْ مُؤْتَمًّا لَا بِتِلَاوَتِهِ) بَيَانٌ لِسَبَبِهَا، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ: التِّلَاوَةُ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ السَّمَاعُ كَتِلَاوَةِ الْأَصَمِّ وَالسَّمَاعُ بِتِلَاوَةٍ غَيْرِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ تَلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ بِأَنْ قَرَأَ الْإِمَامُ سِرًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا؛ وَلِذَا قَالُوا إنَّ الْأَبْكَمَ إذَا رَأَى قَوْمًا يَسْجُدُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ، وَلَمْ يَسْمَعْ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْمُؤْتَمَّ مَعْطُوفًا عَلَى غَيْرِ قَاصِدٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَلْزَمُهُ بِسَمَاعِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِاقْتِدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ اقْتَدَى مَعْطُوفًا عَلَى تَلَا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَقَدْ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى الْمُوجِبُ لَهَا أَحَدُ ثَلَاثَةٍ: التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالِائْتِمَامُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَوْ إمَامًا لِمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْلُوَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاةِ يُخَافِتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَكْرُوهٍ مِنْ تَرْكِ السَّجْدَةِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوْ التَّلْبِيسِ عَلَى الْقَوْمِ إنْ سَجَدَ اهـ.

وَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْإِمَامِ فَصَرَّحَ بِهِ نَفْيًا لَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا شَرَائِطَ الْوُجُوبِ عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ، وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ وَسَنُحَقِّقُهُ مِنْ بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأُطْلِقَ فِي التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَتْ التِّلَاوَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ، وَهُوَ فِي التَّالِي بِالِاتِّفَاقِ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ وَفِي السَّامِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ أَنَّهَا آيَةُ السَّجْدَةِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ السَّامِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ وَإِلَّا فَلَا

وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ جَعَلَا الْفَارِسِيَّةَ قُرْآنًا لَزِمَ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا كَالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلَاهَا قُرْآنًا لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ فُهِمَ وَأُطْلِقَ فِي السَّمَاعِ فَشَمَلَ السَّامِعَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوَّلًا إلَّا الْمَجْنُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا الطَّيْرُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ قَرَأَهَا السَّكْرَانُ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ اُعْتُبِرَ ثَابِتًا زَجْرًا لَهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَا بِتِلَاوَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ بِتِلَاوَتِهِ، وَلَا عَلَى السَّامِعِ مِنْهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ عَدَمَ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ

ــ

[منحة الخالق]

مِنْ الْخِلَافِ.

(قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ قَصَدَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْرَؤُهَا فِي السِّرِّيَّةِ بَلْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَجَعَلَ الْمُؤْتَمَّ سَامِعًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَمَاعُ الْجَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ لَهَا شَرْطًا (قَوْلُهُ لِمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ فِي السِّرِّيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ السَّجْدَةُ آخِرَ السُّورَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا يَأْتِي شَيْئًا مِنْ التَّحْقِيقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِوَى قَوْلِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي صُورَةٍ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَى السَّامِعِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَفِي السَّامِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ فِي سَمَاعِ التِّلَاوَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَأَمَّا بِالْعَرَبِيَّةِ فَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَهْمُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنْ يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ السَّامِعُ يَعْلَمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ فِي السِّرَاجِ حَكَى رُجُوعَ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا قَالَ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى السَّامِعِ مِنْهُ) فِي إطْلَاقِهِ السَّامِعَ إيهَامٌ وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ أَيْ لَا يَجِبُ بِتِلَاوَةِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِصَلَاةِ إمَامِهِ اهـ.

فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي أَصْلًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، وَعَلَى الْمُصَلِّي مِنْ إمَامٍ غَيْرِ إمَامِهِ وَمُقْتَدٍ بِهِ وَمُنْفَرِدٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي، وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ الْمُصَلِّي يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مُصَلِّيًا أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَقَيَّدَ قَوْلَهُ مُصَلِّيًا بِقَوْلِهِ يَعْنِي وَلَيْسَ إمَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبَاقَانِيُّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَوْ تَلَاهَا الْمُؤْتَمُّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ مِمَّنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْحَجْرِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>