وَبَعْدَ الْفَرَاغِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْجُدُونَهَا إذَا فَرَغُوا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ لَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ التِّلَاوَةِ لَوْ تَابَعَهُ الْمُؤْتَمُّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ بِسَمَاعِهَا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ، وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ، وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى السَّامِعِ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ أُصُولِنَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ، وَلَا حُكْمَ لَهُ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ كَالصَّبِيِّ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِغَيْرِهِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَا يَلْزَمُ السُّجُودُ لِلْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ وَتَتَأَدَّى فِيهِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَبَيْنَ الْمُقْتَدِي أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ السَّجْدَةُ مُبَاحٌ لَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ دُونَ الْمُقْتَدِي.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا، وَهُوَ السَّمَاعُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْجُدُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ إدْخَالُهَا فِيهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَانَ مَأْمُورًا بِإِتْمَامِ رُكْنٍ هُوَ فِيهِ أَوْ بِانْتِقَالٍ إلَى رُكْنٍ آخَرَ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ هَذِهِ السَّجْدَةِ، فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ السَّمَاعُ، وَهُوَ وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا نَعَمْ وُجِدَ فِيهَا لَكِنَّهُ حَصَلَ بِنَاءً عَلَى التِّلَاوَةِ، وَالتِّلَاوَةُ حَصَلَتْ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَتُؤَدَّى خَارِجَهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا أَعَادَهَا لَا الصَّلَاةَ) أَيْ أَعَادَ السَّجْدَةَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِلنَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَصِيرُ سَبَبًا إلَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلَاهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ لِلْحَالِ وَمَحَلُّ إعَادَتِهَا مَا إذَا لَمْ يَقْرَأْهَا الْمُصَلِّي السَّامِعُ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ وَأَمَّا إنْ قَرَأَهَا وَسَجَدَ لَهَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ كَانَتْ تِلَاوَتُهَا سَابِقَةً عَلَى سَمَاعِهَا فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ الْأُولَى مِنْ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ وَالثَّانِيَةَ لَا فَحَصَلَتْ الثَّانِيَةُ تَكْرَارَ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ وَالْأُولَى بَاقِيَةٌ فَجُعِلَ وَصْفُ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فَصَارَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَيُكْتَفَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ سَمِعَهَا أَوَّلًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ تَلَاهَا الْمُصَلِّي وَسَجَدَ لَهَا فِيهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَجَزَمَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُعِيدُهَا
وَلَوْ تَلَاهَا وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَى هَذَا الْمُصَلِّي أَنْ يَسْجُدَهَا إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ فَسَمِعَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ مَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ، وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ وَقَرَأَ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ، وَإِنْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ بَعْدَمَا تَبَدَّلَ الْمَكَانُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَكَانُ قَدْ تَبَدَّلَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُفْسِدُهَا وَقَيَّدَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُجْتَبَى والولوالجية بِأَنْ لَا يُتَابِعَ الْمُصَلِّي السَّامِعَ الْقَارِئَ، فَإِنْ سَجَدَ الْقَارِئُ فَتَابَعَهُ الْمُصَلِّي فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُتَابَعَةِ وَلَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ عَمَّا سَمِعَ اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ بِنِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ لِغَيْرِ إمَامِهِ مُبْطِلَةٌ لِصَلَاتِهِ، وَفِي النَّوَادِرِ، وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ
ــ
[منحة الخالق]
إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَحْجُورِ مَنْ كَانَ فِي صَلَاةِ السَّامِعِ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ تَصْرِيحُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي بِالسَّمَاعِ مِنْ مُقْتَدٍ بِالْإِمَامِ السَّامِعِ أَوْ بِإِمَامٍ آخَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ) تَبِعَ فِيهِ الزَّيْلَعِيَّ وَاقْتَصَرَ فِي النَّهْرِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَقَالَ: إنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ مَمْنُوعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute