للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعَمُّدِ مَحْظُورٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، وَالْإِفْطَارُ عَمْدًا مُبَاحٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمَحْظُورٌ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَسَبَبُهَا إمَّا الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَوْ الْحِنْثِ وَهُوَ دَائِرٌ أَيْضًا، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ سَبَبٌ وَهُوَ الظِّهَارُ وَهُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّمَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَرَامَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ كَوْنُهُ جِنَايَةً، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ السَّبَبَ مُرَكَّبًا مِنْ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ فَظَاهِرٌ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ مَحْظُورًا وَالْعَوْدِ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَقْضًا لِلْقَوْلِ الزُّورِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِلِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ جَازَ، وَلَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ تَكَرَّرَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْعَزْمُ، وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ تَرَكَ فَلَا وُجُوبَ، وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ أَبَانَهَا سَقَطَتْ، وَلَوْ عَجَّلَهَا قَبْلَ الظِّهَارِ لَمْ يَصِحَّ.

وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُكَفِّرَ الْمَعْصِيَةَ وَتُذْهِبَ السَّيِّئَةَ خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مِنْ إعْتَاقٍ وَصِيَامٍ وَإِطْعَامٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهَا مِنْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْقَتْلِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ فَنَوْعَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَمَا يَعُمُّهَا النِّيَّةُ وَشَرْطُهَا الْمُقَارَنَةُ لِفِعْلِ التَّكْفِيرِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا إذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ كَفَّارَتَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ شَرْطِ صِحَّةِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا وَمَصْرِفِهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَلَا مَمْلُوكِهِ وَلَا الْهَاشِمِيِّ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ لَهَا دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ أَجْزِيَةً لِأَفْعَالٍ فِيهَا مَعْنَى الْحَظْرِ عِبَادَةً أَدَاءً لِكَوْنِهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَهِيَ قُرَبٌ وَالْغَالِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ إلَّا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ جِهَةَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَلَا تَجِبُ مَعَ الْخَطَأِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِوُجُوبِهَا مَعَ الْخَطَأِ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.

وَأَمَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا غَالِبٌ وَخَالَفَهُمْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي الْأُصُولِ فَجَعَلَهَا كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبٌ لِكَوْنِهِ {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] وَرَدَّهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ نَقْلًا وَحُكْمًا وَاسْتِدْلَالًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ مَا تَكُونُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ غَالِبَةً أَنْ تَسْقُطَ بِالشُّبْهَةِ وَتَتَدَاخَلَ كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ مِرَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا تَدَاخُلَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا لَزِمَهُ بِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ جِنَايَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ لِلْكَرَامَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ.

وَأَمَّا حُكْمُهَا فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَيَتَضَيَّقُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَيَأْثَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ لَمْ يُوصِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ جَازَ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَوْصَى كَانَ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. .

وَأَمَّا أَنْوَاعُهَا فَخَمْسٌ: كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ الْإِعْتَاقُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ إلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا إطْعَامَ بَعْدَ الصَّوْمِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ مُخَيَّرٌ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَكَفَّارَةُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ كَفَّارَةَ الْحَلْقِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْفِدْيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] (قَوْلُهُ وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ: التَّكْفِيرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَالتَّحْرِيرُ مِنْ حَرَّرَ الْمَمْلُوكَ عَتَقَ حِرَارًا مِنْ بَابِ لَيْسَ وَحَرَّرَهُ صَاحِبُهُ وَمِنْهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَتَحْرِيرُ بِمَعْنَى حَرَّ قِيَاسٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ

(قَوْلُهُ فَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا) وُجُوبًا تَمْيِيزٌ وَمِثْلُهُ أَدَاءً فِي قَوْلِهِ عِبَادَةً أَدَاءً، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهِيَ عُقُوبَةٌ وَوُجُوبُهَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>