للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالتَّحْرِيرُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ مُقَارِنًا لِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عِنْدَ الْعِلَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَالرَّقَبَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ أَيْ: الشَّيْءِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَلَوْ رَضِيعًا، وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ قِيلَ الصَّغِيرُ لَا مَنَافِعَ لِأَعْضَائِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَالزَّمِنِ؛ وَلِذَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا إعْتَاقُهُ، فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ أَعْضَاءَ الصَّغِيرِ سَلِيمَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَهِيَ بِعَرْضِ أَنْ تَصِيرَ قَوِيَّةً فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ، وَأَمَّا إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَجَائِزٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَلَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمُرْتَدُّ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ وَالْمُرْتَدَّةُ تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ اهـ. .

وَأَمَّا إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عَنْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ اهـ.

وَشَمِلَ الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ وَاسْتَثْنَى فِي الْخَانِيَّةِ مَرِيضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا إعْتَاقُ حَلَالِ الدَّمِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قُضِيَ بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ لَمْ يُجِزْ الْبَقَّالِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قَدْ قُضِيَ بِدَمِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ كَانَ أَبْيَضَ الْعَيْنَيْنِ فَزَالَ الْبَيَاضُ أَوْ كَانَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ وَجَازَ الْمَدْيُونُ وَالْمَرْهُونُ وَمُبَاحُ الدَّمِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْآبِقِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ اهـ. .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ أَمَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهَا قِيلَ لَمْ تَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ.

وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ الْجَنِينُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهَا وَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مِنْ وَجْهٍ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لَا بِالْمَمْلُوكِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قَدْ غَصَبَهُ أَحَدٌ جَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ أَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِالْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَالِكِ.

وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَدْيُونًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ جَازَ؛ لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَاسْتِسْعَاءَهُ لَا يُخِلّ بِالرِّقِّ وَالْمِلْكِ فَإِنَّ السِّعَايَةَ لَمْ تُوجِبْ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَوَقَعَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا رَهْنًا فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الرِّقِّ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَجْنُونُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ تَصِيرُ الرَّقَبَةُ فَائِتَةً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ نُقْصَانِهَا فَيَدْخُلُ تَحْتَ عَدَمِ الْجَوَازِ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَضْغِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَدَخَلَ أَشَلُّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ وَالْمُقْعَدُ وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَائِتَةٌ، وَكَذَا مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مَقْطُوعَةٍ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ كَمَقْطُوعِ الْإِبْهَامَيْنِ وَجَازَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَالرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْعَوْرَاءُ وَالْعَمْشَاءُ وَالْبَرْصَاءُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

(قَوْلُهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَضَى بِدَمِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة وَرَوَى ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قَدْ قَضَى بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ عَنْ ظِهَارِهِ مُتَعَلِّقٌ بِعَتَقَ (قَوْلُهُ الْبَقَّالِيُّ إذَا أَعْتَقَ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْبَقَّالِيِّ رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ إذَا أُعْتِقَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ: قَوْلُ الْهِدَايَةِ الْمُتَقَدِّمُ أَيْ: الشَّيْءُ الْمَرْقُوقُ الْمَمْلُوكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لَا بِالْمَمْلُوكِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الرِّقِّ شَرْطٌ دُونَ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا صَحَّ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>