للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرِكَتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَفِي الْمُنْتَقَى إنَّمَا يُؤْمَرُ بِرَفْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا عُلِمَ حُدُوثُهَا فَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَلَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الرَّفْعِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَ حَالُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُجْعَلُ قَدِيمَةً وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ إذَا مَاتَ إنْسَانٌ بِسُقُوطِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَنِيفٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ جَرْصَنٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِلْهَلَاكِ مُتَعَدِّيًا فِي إحْدَاثِ مَا تَضَرَّرَ بِهِ الْمَارَّةُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَكَذَا إذَا عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ وَلَوْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَ بِهِ هُوَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَحْدَثَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا فِيهِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَخَارِجًا أَمْ دَاخِلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَارِجًا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا لَا يَضْمَنُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَفِي الشُّغْلِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالَةِ النِّصْفِ وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ فَيَنْتَصِفُ فَيَكُونُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْجُرْحَيْنِ.

وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطُ الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَدْ بَطَلَ الْإِشْهَادُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِشْغَالِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْغَالَ لَوْ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ الْمَالِكِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَكُونُ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ فَانْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ مِنْ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ إخْرَاجِ الْجُنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْكَنِيفِ إلَى الطَّرِيقِ فَقَتَلَ إنْسَانًا بِسُقُوطِهِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ وَهُنَا مُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي، فَإِنَّهُ مِلْكِي وَلِي مِنْهُ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ إلَيْهِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ تَعْلَمْ الْفَعَلَةُ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا قَالَ ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْآجِرِ وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْفَاعِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُمْ اشْرَعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّرْعِ فِي الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا إنْ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَلِكَ فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا فَسَادَ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ وَأَعْلَمَهُ فَذَبَحَ ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِّ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ثُمَّ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ إقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ وَمِنْهُ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهَا وَإِظْهَارُ شُبْهَةِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا لَا يَصْلُحُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>