للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ قَضَى لِلْأَوَّلِ) أَيْ قَالَ الْمُودَعُ هَذَا ابْنُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ قَضَى بِالْمَالِ لِلْمُقِرِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ضَمَانَ الْمُودَعِ لِلثَّانِي لِاخْتِلَافِ الشَّارِحِينَ فِيهِ فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْمُودَعُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّلَفُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبُنُوَّةِ إقْرَارًا بِالْمَالِ اهـ.

وَفِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودَعُ هُنَا لِلْمُقِرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودَعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ رُبَّمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا هَذَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي اهـ.

وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُودَعُ بِهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْ قَالَ غَصَبْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ إلَّا نِصْفَهُ فَلِفُلَانٍ فَكَمَا قَالَ وَلَوْ قَالَ هَذَانِ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا فَلِفُلَانٍ كَانَ مُصَدَّقًا فَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ وَهُمَا لِلْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا نِصْفَهُ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ كَانَ جَائِزًا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لِفُلَانٍ إلَّا كُرًّا مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْكُرِّ كَذَا فِي الْأَصْلِ لِمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ مِنْ الدَّعْوَى.

(قَوْلُهُ مِيرَاثٌ قُسِمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يُكْفَلُ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ وَارِثٍ) وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ مِنْهُمْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا خِلَافَ فِي أَخْذِهِ فِي الثَّانِي وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ اتِّفَاقًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي التَّكْفِيلِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلِأَنَّ وُجُودَ آخَرَ مَوْهُومٌ فَلَا يُؤَخِّرُ الثَّابِتَ قَطْعًا لَهُ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ التَّكْفِيلِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَفِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لِلدَّيْنِ وَقَيَّدَ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا إذَا دَفَعَ النَّفَقَةَ لِامْرَأَةِ الْغَائِبِ أَوْ اللُّقَطَةِ أَوْ الْآبِقِ إلَى صَاحِبِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْوَارِثِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ أَوْ لَا.

وَقَيَّدَ بِعَدَمِ التَّكْفِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَا غَرِيمَ لَهُ آخَرَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِزِيَادَةِ عِلْمٍ بِانْتِفَاءِ الشَّرِيكِ الْمُسْتَحِقِّ مَعَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَدْرِ مُدَّتِهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِحَوْلٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّأَنِّي تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ إلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا تَأْخِيرُ الدَّفْعِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدَ الْوَرَثَةِ وَلَا قَالُوا أَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ وَإِنْ بَيَّنُوا عَدَدَهُمْ وَقَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ مِمَّا لَا يُحْجَبُ بِحَالٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى وَلَا يُتَأَنَّى وَلَا يُكْفَلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ بِحَالٍ تَأَنَّى ثُمَّ يَقْضِي وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ تَلَوَّمَ الْقَاضِي زَمَانًا ثُمَّ قَضَى وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَيَدْفَعُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْفَرَ النَّصِيبَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلَّهُمَا وَقَوْلُهُ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنَى بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْكُوفَةِ وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ الْمَيْلُ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَعَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ بَرِئَ مِنْ الِاعْتِزَالِ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ بِسَبَبِ مَا نَقَلَهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا فَقَوْلُهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ أَصَابَ الْحَقَّ وَإِلَّا لَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَدِّدًا فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَيْ مُصِيبٌ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>