عَلَى الْإِقْرَارِ لَا تُعْتَبَرُ فَبَقِيَ كَلَامُ الثَّلَاثَةِ قَذْفًا.
قَوْلُهُ (فَسَأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ، وَالْمَزْنِيَّةِ) أَيْ سَأَلَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ عَنْ مَاهِيَّتِه أَيْ ذَاتِهِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ عَنَوْا غَيْرَ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» الْحَدِيثَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْكَيْفِيَّةُ هِيَ الطَّوَاعِيَةُ، وَالْكَرَاهِيَةُ وَعَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَنْ الزَّمَانِ لِجَوَازِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي زَمَنِ صِبَاهُ وَعَنْ الْمَزْنِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ أَمَةَ مُكَاتِبِهِ فَلْيَسْتَقْصِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ الزَّانِي بِهَا مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ وَزِيَادَةً وَهُوَ جَوَازُ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا بِأَنْ مَكَّنَتْ أَحَدَهُمَا، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا زَنَيَا فَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالُوا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَثْبُتْ قَذْفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَا يَنْفِي كَوْنَ مَا ذَكَرُوهُ زِنًا لِيَظْهَرَ قَذْفُهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ وَلَوْ بَيَّنَ ثَلَاثَةٌ وَلَمْ يَزِدْ وَاحِدٌ عَلَى الزِّنَا لَا يُحَدُّ وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الرَّابِعَ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ فَسُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ وَلَمْ يَصِفْهُ أَنَّهُ يُحَدُّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ لِلْقَاضِي فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ الثَّلَاثَةُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَا يُحَدُّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ بِامْرَأَتِي، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِفٌ بِحَالِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا ثُمَّ قَالُوا بِفُلَانَةَ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَلَا الشُّهُودُ اهـ.
قَوْلُهُ (: فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعُدِلُوا سِرًّا وَجَهْرًا حُكِمَ بِهِ) لِظُهُورِ الْحَقِّ وَوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْقَاضِي، وَالْمُكْحُلَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالْحَاءِ وَقَوْلُهُمْ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رَاجِعٌ إلَى بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ وَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَإِلَّا السُّؤَالُ عَنْ مَاهِيَّتِه كَافٍ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيَانِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا بِأَنْ يُقَالَ هُوَ مُسْلِمٌ لَيْسَ بِظَاهِرِ الْفِسْقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عَنْ الْإِمَامِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّعْدِيلِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَاصِلُ التَّعْدِيلِ سِرًّا أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَيَكْتُبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَحَاصِلُ التَّعْدِيلِ عَلَانِيَةً أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي، وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي زَكَّيْته وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيه عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكِّي وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمَهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا قَالُوا وَيَحْبِسُهُ هُنَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ وَلَا وَجْهَ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الدَّرْءِ وَلَيْسَ حَبْسُهُ لِلِاحْتِيَاطِ بَلْ لِلتُّهْمَةِ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ فِيهَا عُقُوبَةٌ أُخْرَى أَغْلَظُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ (وَبِإِقْرَارِهِ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى بِالْبَيِّنَةِ أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ وَقُدِّمَ الثُّبُوتُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ) هَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي عِلَّةِ سُؤَالِهِمْ عَنْ الزَّمَانِ لِجَوَازِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلِمَا يَأْتِي أَيْضًا قَرِيبًا وَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا كَمَا هُنَا فَقَالَ الْمُقَرَّرُ إنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهَا دُونَ الْفِرَارِ وَكَمَا يَمْنَعُ التَّقَادُمُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute