للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ

لِحَاجَةِ النَّاسِ

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

فَقَوِيَ عَمَلُ الْقُضَاةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ

، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَغَابَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ نَفَقَةً تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْهَا عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ يَفْرِضُ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا نَفَقَةً، ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا جَاءَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْمَفْرُوضِ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَرَضَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ وَالْمَدْيُونَ لَوْ أَنْفَقَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمُودَعَ ضَامِنٌ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ نَظِيرَ الْمُودَعِ لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا اهـ.

مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْغَائِبِ مِنْ وَدِيعَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بَعْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ، وَقَالَ كُنْت أَوْفَيْت النَّفَقَةَ أَوْ أَرْسَلْت إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ وَنَكَلَ الْكَفِيلُ لَزِمَهُمَا الْمَالُ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُكُولَهُمَا وَنُكُولُ الْمَرْأَةِ أَمْرٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا نُكُولُ الْكَفِيلِ، فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إذَا نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ فَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَنْكُلْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالْأَصِيلُ إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَإِنْ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ إلَيْهَا قَدْ صَحَّ فَصَارَ كَأَمْرِهِ بِنَفْسِهِ اهـ.

وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا تَعَجَّلَتْ نَفَقَتَهَا فَالزَّوْجُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْكَفِيلِ اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَالَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ يَجِبُ كَقَوْلِهِ مَا ثَبَتَ لَكَ عَلَيْهِ أَوْ ذَابَ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا ضَمِنَ الدَّيْنَ الْقَائِمَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَخَذَتْ ثَانِيًا ضَمِنَهَا فَكَانَ وَقْتَ الضَّمَانِ الدَّيْنُ قَائِمٌ فِي ذِمَّتِهَا لِلْحَالِ وَهُوَ مَا أَخَذَتْهُ ثَانِيًا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَالْحَقُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِمَا أَعْطَاهَا، وَذَكَرَ فِي شس فَإِذَا حَلَفَتْ فَأَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِذَلِكَ بط وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا هُوَ بِمَا أَخَذَتْهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَمَا أَمَرَ الْقَاضِي الْمُودَعَ أَوْ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ الْمُودَعُ دَفَعْتُ الْمَالَ إلَيْهَا لِأَجْلِ النَّفَقَةِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا عَلَيْهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُنْفِقُ الْقَاضِي عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ الْمَفْقُودَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

ــ

[منحة الخالق]

يَعْمَلُونَ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَيُفْتَى بِهِ اهـ.

وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُهُ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ بِأَنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُدَّةَ سَفَرٍ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ إلَخْ) سَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا لِيَقْضِيَ بِالنِّكَاحِ، بَلْ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ، وَإِذَا سَمِعَ بَيِّنَتَهَا عَلَيْهِ لِذَلِكَ تَضْمَنُ كَوْنَ الْأَوْلَادِ لَهُ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ فَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالنَّسَبِ

(فَرْعٌ) امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِدُونِ تَحْلِيفٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِلْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَنَصَّ عَلَى عَدَمِهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى الْكَفِيلِ، بَلْ يَبْرَأُ بِحَلِفِهَا بِدُونِ تَحْلِيفِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ حَلَفَتْ طُولِبَتْ فَقَطْ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَمُرَادُهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَقَرَّتْ طُولِبَتْ فَقَطْ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>