كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِحْلَافَ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ فَإِنْ قَالَتْ لَا يَسْتَحْلِفُهَا فَإِذَا حَلَفَتْ أَمَرَهُمَا الْقَاضِي بِإِعْطَاءِ النَّفَقَةِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحَلِّفُهَا أَنَّهُ مَا أَعْطَاهَا نَفَقَةً وَلَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَقَيَّدَ بِنَفَقَةِ مَنْ ذَكَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَيْنٍ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ أَحْضَرَ غَرِيمًا أَوْ مُودَعًا لِلْغَائِبِ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بِمَا يَكُونُ نَظَرًا لَهُ وَحِفْظًا لِمِلْكِهِ وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ وَفِي وَفَاءِ دَيْنِهِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَ فَرْضَ النَّفَقَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الْمُودِعُ إنَّ الزَّوْجَ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَرَضَ يَعُودُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَيْ فَرْضُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي التَّكْفِيلِ بِخِلَافِ أَخْذِ الْكَفِيلِ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَاخْتَلَفَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي أَوْ حَسَنٌ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَالْخَصَّافُ إلَى الثَّانِي وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْعَاجِزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا كَفِيلًا دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ لَا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ آخِذِ النَّفَقَةِ أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مِنْ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ التَّعْجِيلِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ لِلْقَرِيبِ إذَا هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِأُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ ثُمَّ ادَّعَى الْوَالِدُ هَلَاكَهَا قُبِلَ مِنْهُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عِنْدَ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِهِ فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَلِمَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ لِحَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ أَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ كَمَا عُرِفَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَأْخُذَ مِنْهَا كَفِيلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَلَّفَهَا الْقَاضِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ تُعِدْهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْقَضَاءُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَنْفُذُ لَا لِأَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ إمَّا مَعَ زُفَرَ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ نَفَقَةً، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النِّكَاحَ، فَلَيْسَ لَهُ فَرْضُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَفَرَضَهَا وَأَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ جَازَ وَنَفَذَ كَمَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) يُؤَيِّدُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إذَا اسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ مِنْ أَحَدٍ فَحَسَنٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ يَدَّعِي الْقَرِيبُ عَدَمَ الدَّفْعِ إلَيْهِ دُونَ الْهَلَاكِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ دَلَّ قَوْلُهُ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَعَمَلُ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا
لِلْحَاجَةِ
فَيُفْتَى بِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَالْقُضَاةُ فِي زَمَانِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute