وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُخَدَّرَةً فِي مَسْأَلَةِ خُرُوجِهَا لِلْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً، فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لِقَبُولِ التَّوْكِيلِ مِنْهَا بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ أَمَّا الزَّوْجُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِير الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فِيهَا وَقَالُوا هُنَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ الْغَزْلِ وَلَا تَتَطَوَّعُ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ تَخْصِيصِ الْغَزْلِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَسْبِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ لِوُجُوبِ كِفَايَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا مِنْ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ بِالْأَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: ٣٣] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى آخِرِهِ.
(قَوْلُهُ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَقْرَبُهُ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا كَفِيلٌ) بَيَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَلَمْ يُعْطِهَا نَفَقَتَهَا وَاسْتَتْبَعَ نَفَقَةَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ لَا فَصَرَّحَ بِالْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي أَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطٌ لِفَرْضِ الْقَاضِي شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ مُقِرًّا بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا، وَكَذَا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْأَبَوَانِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا نَفَقَتَهُمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا وَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي وَحُكْمُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَوْ الْأُنْثَى مُطْلَقًا كَالصَّغِيرِ لِمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَفَقَةِ مَمْلُوكَةٍ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فَشَمِلَ مُودَعَهُ وَمُضَارِبَهُ قَالُوا وَكَذَا مَدْيُونُهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لِلْأَمَانَةِ فَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْأَمَانَةِ وَالدَّيْنِ لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
وَقَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ اكْتِفَاءٌ وَإِلَّا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ لِطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالُوا وَعِلْمُ الْقَاضِي بِهِمَا كَإِقْرَارِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِالْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَالِ وَهُوَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهَا لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ فَكَذَا عَلَى الْغَائِبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَ كَوْنَ الْمَالِ لِلْغَائِبِ أَوْ جَحَدَ النِّكَاحَ أَوْ جَحَدَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْمَالِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَأَمَّا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ لَيْسَا بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا مَنْ كَانَ خَصْمًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَنْعَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ بِمَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ وَسَاقَهَا قَالَ وَوَرَدَ اسْتِثْنَاءُ النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ وَفَّيْتُهُ هَلْ لَهَا عَلَيْهِ يَمِينٌ الظَّاهِرُ لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَصْمًا فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ وَفِي الْمَقْدِسِيَّ فَلَوْ ادَّعَى طَلَاقَهَا وَمُضِيَّ عِدَّتِهَا وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، بَلْ فِي مَنْعِ مَا تَحْتَ يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ وَنَحْوُهُ لَنَا بَيِّنَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَةً تَكْفِيهَا قَبْلَ غَيْبَتِهِ يَنْبَغِي قَبُولُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute