(قَوْلُهُ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا) يَعْنِي فِي أَيِّ وَقْتٍ اخْتَارَ أَهْلُهَا ذَلِكَ فَلَهُمْ ذَلِكَ لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَهَا مِنْ الدُّخُولِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْهُ كَالْكَلَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُولِ الْكَلَامِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهَا فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلَى إتْيَانِهَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مَعَ الْأَبِ الْخُرُوجُ، وَقَدْ يَشُقُّ عَلَى الزَّوْجِ فَتَمْتَنِعُ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْذِنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ إلَى زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْمَحَارِمِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ تَخْرُجُ لِلْوَالِدَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلْأَهْلِ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا ذَلِكَ بِإِذْنِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى زِيَارَةِ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْزِيَتِهِمَا وَعِيَادَتِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى سَبْعَةِ مَوَاضِعَ زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَعِيَادَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَلَى آخَرَ حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ.
وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِتَتَعَلَّمَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ وَيَذْكُرُ عِنْدَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ يَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجهَا وَتَزُورُ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلٍ يُخَافُ السُّقُوطُ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ الْحَجَّ بِالْفَرْضِ مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ وَقَيَّدَ خُرُوجَ الْقَابِلَةِ وَالْغَاسِلَةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَفَسَّرَ الْغَاسِلَةَ بِمَنْ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَيَنْبَغِي أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْقَابِلَةَ وَالْغَاسِلَةَ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ إضْرَارًا بِهِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ
ــ
[منحة الخالق]
فِيهِ وَلَمْ تُطَالِبْهُ بِالْمَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَالَهُ جِيرَانٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِمْ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْبَحْرِ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَعَدَمَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْجِيرَانِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ بِحَالٍ لَوْ اسْتَغَاثَتْ بِجِيرَانِهَا أَغَاثُوهَا سَرِيعًا لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْقُرْبِ لَا تَلْزَمُهُ الْمُؤْنِسَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ تَسْتَوْحِشُ فِي الْبَيْتُوتَةِ فِي الْبَيْتِ، وَلَوْ صَغِيرًا بَيْنَ جِيرَانٍ إذَا كَانَ زَوْجُهَا لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ فَإِذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ ضَرَّتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّجَالِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ فَكَيْفَ النِّسَاءُ وَلَا ضِرَارَ فِي الشَّرْعِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَتُرَبِّيَهُ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُ مَنْعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي فِي إجَازَةِ الظِّئْرِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ وَمَا فِيهِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ تَتْعَبُ وَذَلِكَ يُنْقِصُ جَمَالَهَا وَجَمَالُهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا تَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالدَّارُ مِلْكٌ مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِ وَيَحِلُّ لَهُمْ مَعَ مَنْعِهِ الدُّخُولُ بِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ) أَيْ الْقَوْلُ بِهِ بَعِيدٌ