للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْيَنَابِيعِ الْأَخْرَسَ بِكَوْنِهِ وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَقَدَّرَ التُّمُرْتَاشِيُّ الِامْتِدَادَ هُنَا بِسَنَةٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالَ الشَّارِحُ: فِي آخِرِ الْكِتَابِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

فَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَ مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ تَوَقَّفَ فَإِنْ دَامَ بِهِ إلَى الْمَوْتِ نَفَذَ، وَإِنْ زَالَ بَطَلَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لِلْعُمُومَاتِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» قَوْلُهُ: (لَا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ سَابِقًا لِلْحَدِيثِ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّفَاذُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهِ الصِّحَّةُ لِيَدْخُلَ تَحْتَهُ طَلَاقُ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ نَافِذٍ أَطْلَقَ الصَّبِيَّ فَشَمَلَ الْعَاقِلَ وَلَوْ مُرَاهِقًا لِفَقْدِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ خُصُوصًا مَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صِحَّتُهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ النُّقُولِ وَإِنَّمَا صَحَّ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ السُّقُوطَ وَنَفَعَ لَهُ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْته وَقَعَ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيقَاعٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَلَمَّا بَلَغَ الصَّبِيُّ قَالَ أَوْقَعْت الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَجَزْت ذَلِكَ لَا يَقَعُ وَقَالَ قَبْلَهُ طَلَّقَ النَّائِمُ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فِي النَّوْمِ لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت الَّذِي تَلَفَّظْت بِهِ لَا يَقَعُ وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْقَعْت ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: الَّذِي تَلَفَّظْت إشَارَةٌ إلَى الشَّخْصِ الَّذِي حَكَمَ بِبُطْلَانِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا عَلَيْك، وَالْبَاقِي عَلَى ضَرَّاتِهَا لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرُ عَامِلٍ اهـ.

وَأَرَادَ بِالْمَجْنُونِ مَنْ فِي عَقْلِهِ اخْتِلَالٌ فَيَدْخُلُ الْمَعْتُوهُ وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْتُوهَ هُوَ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَيَدْخُلُ الْمُبَرْسَمُ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَدْهُوشُ، وَفِي الصِّحَاحِ الْبَرْسَامُ دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ، وَالْمَعَاثِمِ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَبُرْسِمَ الرَّجُلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ بَرْسَامٌ وَبِلْسَامٌ وَهُوَ مُبَرْسَمٌ وَمُبَلْسَمٌ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ طَلَّقْتَنِي الْبَارِحَةَ، فَقَالَ أَصَابَنِي الْجُنُونُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَاحِبُ بِرُسُمٍ فَلَمَّا صَحَّ قَالَ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي ثُمَّ قَالَ إنِّي كُنْت أَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ كَانَ وَاقِعًا قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: حِينَمَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ إنْ رَدَّهُ إلَى حَالَةِ الْبَرْسَامِ بِأَنْ قَالَ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي حَالَةَ الْبَرْسَامِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى حَالَةِ الْبَرْسَامِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ قَضَاءً، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ثُمَّ جُنَّ الرَّجُلُ جُنُونًا مُطْبِقًا ثُمَّ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَمْلِكُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ جُنَّ الْمُوَكِّلُ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ إنْ جُنَّ زَمَانًا طَوِيلًا، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً لَا تَبْطُلُ وَلَمْ يُوَقِّتْ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ شَيْئًا. اهـ. .

قَوْلُهُ: (وَالنَّائِمُ) أَيْ لَا يَقَعُ طَلَاقُ النَّائِمِ فَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَمَا اسْتَيْقَظَ طَلَّقْتُك فِي النَّوْمِ أَوْ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ حَالَةَ النَّوْمِ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الصَّبِيَّ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَأَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُنَجَّزَ وَاَلَّذِي بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالرَّجْعِيَّ، وَالْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الطَّلَاقُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا كَمَا إذَا كَانَ مَجْبُوبًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُؤَهَّلُ لَهُ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ مُمَيِّزًا وَأَبَى وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً وَعَلَّقَ عَلَيْهِ مَتَى تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَكَذَا وَكَبِرَ فَتَزَوَّجَ عَالِمًا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ:، وَالْمَدْهُوشُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ: الْمُرَادُ بِالْمَدْهُوشِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهِلَ أَوْ وَلِهَ لَا مُطْلَقُ الْمُتَحَيِّرِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ إذْ التَّحَيُّرُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: دَهِشَ كَفَرِحَ فَهُوَ دَهِشٌ تَحَيَّرَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهِلَ أَوْ وَلِهَ، وَالذَّاهِلُ الْمُتَحَيِّرُ، وَالْوَلَهُ مُحَرَّكَةٌ: الْحُزْنُ أَوْ ذَهَابُ الْعَقْلِ خَوْفًا، وَالْحِيرَةُ، وَالْخَوْفُ فَرَجَعَ الْمَعْنَى فِي كَلَامِهِمْ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ التَّحَيُّرِ، وَالْخَوْفِ فَيَكُونُ نَوْعًا مِنْ الْجُنُونِ اهـ.

مُلَخَّصًا وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ) مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الصَّبِيِّ لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>