للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السِّيَرِ هَذَا إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ يَعْرِفُ فَكُفْرُهُ صَحِيحٌ، وَفِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ مِنْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْفَوَاكِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ كَمَا لَا تَنْفُذُ مِنْ الَّذِي زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ، وَفِي الْيَنَابِيعِ مِنْ الْأَيْمَانِ سَكْرَانُ وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ دِرْهَمًا فَقَالَتْ لَهُ: إنَّك تَسْتَرِدُّهُ مِنِّي إذَا صَحَوْت فَقَالَ إنْ اسْتَرَدَّتِيهِ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَخَذَهُ لِلْحَالِ وَهُوَ سَكْرَانُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لَهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى: سَكِرَ الْوَكِيلُ فَطَلَّقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَجُزْ اهـ.

وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الْوُقُوعُ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ الْوَكِيلُ فَطَلَّقَ، وَفِي الْقُنْيَةِ سَكْرَانُ قَرَعَ الْبَابَ فَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْتَحِي الْبَابَ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَمَضَتْ اللَّيْلَةُ وَلَمْ تَفْتَحْ لَا تَطْلُقُ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ سَكْرَانُ قَالَ لِآخَرَ وَهَبْت دَارِي هَذِهِ مِنْك ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ أَقُلْ مِنْ قَلْبِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فِي غَايَةِ النَّشَاطِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ قَلْبِهِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَاقٍ بِمَالٍ لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ الصَّحْوِ، وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ السُّكْرِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَا فِي حَالِ السُّكْرِ يَقَعُ إذَا كَانَ بِلَا مَالٍ وَلَوْ كَانَ بِمَالٍ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَقْدِيرِ الْبَدَلِ اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ.

قَوْلُهُ: (وَأَخْرَسُ بِإِشَارَتِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَخْرَسَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِإِشَارَتِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَفْهُومَةً فَكَانَتْ كَالْعِبَارَةِ فِي الدَّلَالَةِ اسْتِحْسَانًا فَيَصِحُّ بِهَا نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِشَارَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ الْإِشَارَةُ الْمَقْرُونَةُ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ اهـ.

وَإِنَّمَا ذَكَرَ إشَارَتَهُ دُونَ كِتَابَتِهِ لِمَا أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَخْرَسِ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِكِتَابَتِهِ إذَا كَانَ مُسْتَبِينًا لَا مَا لَا يَسْتَبِينُ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ عَنَى تَجْرِبَةَ الْخَطِّ وَرَسْمَهَا أَنْ يُكْتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ مُعَلِّقًا بِالْإِتْيَانِ إلَيْهَا لَا يَقَعُ إلَّا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلِّقًا وَقَعَ عَقِيبَ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِالْمَجِيءِ إلَيْهَا فَوَصَلَ إلَى أَبِيهَا مَزَّقَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي أُمُورِهَا وَقَعَ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ أَخْبَرَهَا مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا الْكِتَابَ الْمُمَزَّقَ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسَخَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ أَوْ غَيْرَهُ فَبَلَغَا إلَيْهَا تَطْلُقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرُك وَغَيْرُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ مَحَى اسْمَ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ بَعَثَ بِالْكِتَابِ لَا تَطْلُقُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ عَجِيبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَتَبَ مَعَ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ مِنْ الْحَوَائِجِ ثُمَّ مَحَى مِنْهُ شَيْئًا.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَائِجَ إنْ كَتَبَهَا فِي أَوَّلِهِ، وَالطَّلَاقَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ مَحَى الْحَوَائِجَ فَقَطْ فَوَصَلَ إلَيْهَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ مَحَى الطَّلَاقَ فَقَطْ طَلُقَتْ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ أَوَّلًا، وَالْحَوَائِجَ آخِرًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَلَوْ كَتَبَ الطَّلَاقَ فِي وَسَطِهِ وَكَتَبَ الْحَوَائِجَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فَإِنْ مَحَى الطَّلَاقَ وَتَرَكَ مَا قَبْلَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ مَحَى مَا قَبْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَحَدَهُ فَبَرْهَنَتْ عَنْهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَقَعَ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ نَحْوُ أَنْ يَكْتُبَ إنْ جَاءَ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا يَنْوِي وَيُبَيِّنُ الْأَخْرَسُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ وَقَيَّدَ صَاحِبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ. . . إلَخْ) النُّسَخُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُخْتَلِفَةٌ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَاقٍ بِمَالٍ لَا يَقَعُ لَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ الصَّحْوِ، وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ السُّكْرِ، وَإِنْ كَانَا فِي حَالِ السُّكْرِ وَقَعَ وَإِذَا كَانَ بِلَا مَالٍ يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَقْدِيرِ الْبَدَلِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ وَكَانَ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي طَلَاقِهِ وَنِكَاحِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.

فَقَدْ رُتِّبَ جَوَازُ الْإِشَارَةِ عَلَى عَجْزِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ إشَارَتُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا: وَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ فِي كِتَابٍ وَهُوَ يَكْتُبُ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي كِتَابِهِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ فَإِنْ كَتَبَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ فَإِنْ نَوَاهُ جَازَ عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ كِتَابًا يَسْتَبِينُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَسْأَلَ بِكِتَابٍ فَيُجِيبُ بِكِتَابَةٍ وَلَوْ كَتَبَ الصَّحِيحُ إلَى امْرَأَتِهِ فِي صَحِيفَةٍ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ جَحَدَ الْكِتَابَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>