للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَجْهُولِ يَصِحُّ مَعَهُ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ قُلْنَا لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ ثَابِتٌ لَهُ مَعَ قَبِيلَتِهِ فَأَغْنَاهُ عَنْهَا مَعَ الْغَيْرِ، وَلَوْ عَقَدَ مَعَ قَبِيلَتِهِ كَانَ فِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا اعْتِبَارَ بِهَذَا أَصْلًا، وَقَدْ بَيَّنَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْلِ كَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ وُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِهِمَا بِنَاءٌ عَلَى ظُهُورِهِمَا فَضَمِنَ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَفِي الْمُحِيطِ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ فَوَالَتْ رَجُلًا وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَكُونُ لَهُ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِأَوَّلِ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ فَلَوْ قَالَ إنْ وَالَيْتُك إنْ فَعَلْت كَذَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ لِمَنْ عَقَدَ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ وَلَدٌ كَبِيرٌ فَإِذَا أَسْلَمَ ابْنُهُ الْكَبِيرُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِنَفْسِهِ لِانْقِطَاعِ وَلَايَةِ الْأَبِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ يَسْتَنْصِرُ مَنْ يُوَالِي أَبِيهِ رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَلَدٌ فَوَالَتْ رَجُلًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ، وَإِذَا وَالَى رَجُلًا وَابْنُهُ الْكَبِيرُ رَجُلًا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ لِمَوْلَاهُ وَلَا يَجُرّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَإِنْ سُبِيَ ابْنُهُ وَأُعْتِقَ لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَ أَبِيهِ فَإِنْ سُبِيَ أَبُوهُ وَأُعْتِقَ جَرَّ وَلَاءَ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ فَكَذَا فِي الْمُوَالَاةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنُ ابْنٍ وَالِابْنُ لَمْ يُسْبَ لَكِنْ أَسْلَمَ فَوَالَاهُ رَجُلٌ فَسَبَى الْجَدَّ فَأَعْتَقَ لَمْ يَجُرَّ الْجَدُّ وَلَاءَهُ إلَّا أَنْ يَجُرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ فَيَنْجَرُّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَسْفَلُ مُوَالِيًا حَرْبِيًّا وَالْجَدُّ مُعْتَقًا لَا يَجُرُّ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْأَوْسَطُ فَيَجُرُّهُ الْجَدُّ فَيَنْجَرُّ بِجَرِّهِ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا، ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ.

وَلَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَوَالَى رَجُلًا لَمْ يَجُرَّ وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي الْمُحِيطِ ذِمِّيٌّ وَالَى مُسْلِمًا فَمَاتَ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِاعْتِبَارِ التَّنَاصُرِ وَالتَّنَاصُرَ فِي غَيْرِ الْقُرْبِ إنَّمَا هُوَ بِالدَّيْنِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَا تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ قُلْنَا هِيَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَحِينَئِذٍ الْمَانِعُ هُنَا وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ قِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْمُوَالَاةَ مَعَ الْحَرْبِيِّ لِلتَّنَاصُرِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ اهـ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا، ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ إذَا جَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمَوْلَى، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَعْتَقَ عَبْدًا فَنَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأُخِذَ وَاسْتُرِقَّ فَصَارَ عَبْدَ الرَّجُلِ وَأَرَادَ مُعْتَقُهُ أَنْ يُوَالِيَ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا فَإِنْ أَعْتَقَ مَوْلَاهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً عَقَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا قَالَ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ.

وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالْوَلَاءِ لِآخَرَ وَصَدَّقَهُ يَصِيرُ مَوْلًى لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ فَكَذَّبُوا الْأَبَ فِيمَا أَقَرَّ وَقَالُوا أَبُونَا مَوْلًى لِفُلَانٍ آخَرَ وَصَدَّقَهُمْ فُلَانٌ فِي ذَلِكَ فَهُمْ مُصَدَّقُونَ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ قَالَ أَعْتَقَنِي فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُعْتَقُ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ شَيْءٌ وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ مَوْلَى امْرَأَةٍ أَعْتَقَتْهُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ أَعْتِقْك لَكِنْ أَسْلَمْت عَلَى يَدَيَّ وَوَالَيْتنِي فَهُوَ مَوْلَاهَا فَإِذَا أَرَادَ التَّحَوُّلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ ذَلِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ وَأَنْكَرَ فُلَانٌ، وَقَالَ مَا أَعْتَقْتُك وَلَا أَعْرِفُك فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِإِنْسَانٍ آخَرَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَلَا وَلَاءِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ آخِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِرْثُهُ لَهُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>