للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْطَ لَوْ صَحَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ فَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَإِنْ قُلْتُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْحُرُّ الْمُتَزَوِّجُ بِأَمَةِ رَجُلٍ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ حَيْثُ يَلْزَمُ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ وَتَثْبُتُ حُرِّيَّةُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَوْلَادِ وَهَذَا أَيْضًا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيه نِكَاحُ الْأَمَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى الشَّرْطَ، وَالتَّزْوِيجَ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُوَ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَعِنْدَ وُجُودِ التَّعْلِيقِ فِيمَا يَصِحُّ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْ مُقْتَضَاهُ فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ التَّبْوِئَةِ فَإِنَّ بِتَعْلِيقِهَا لَا تَقَعُ هِيَ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ بَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهَا عَلَى فِعْلٍ حِسِّيٍّ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَإِذَا امْتَنَعَ لَمْ يُوجَدْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ هُنَا وَعْدٌ يَجِبُ الْإِيفَاءُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ لَا يَثْبُتُ مُتَعَلِّقُهُ أَعْنِي نَفْسَ الْمَوْعُودِ بِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ وَضْعِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَطِ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا لَا يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ بَاعَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَبْلَ الْوَضْعِ يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ عَدَمٌ.

وَقَدْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ: كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَهِيَ حُبْلَى لَمْ يَعْتِقْ مَا تَلِدُهُ لِفَقْدِ الْمِلْكِ لِانْتِقَالِهَا لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى وَهِيَ حُبْلَى جَازَ بَيْعُهُ فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَعْتِقْ ذَكَرَهُ فِي بَابِ عِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ صَرِيحًا، وَالتَّعْلِيقِ مَعْنًى وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْآنَ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ عِتْقِ مَا تَلِدُهُ الْأَمَةُ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدٍ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لَك فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا الْحَالِفُ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَ إنْ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْيَمِينُ اهـ.

وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا وَقَيَّدَ بِالتَّبْوِئَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا اسْتَوْفَى صَدَاقَهَا أُمِرَ أَنْ يُدْخِلَهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُبَوِّئَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَهَا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا سَقَطَ مَهْرُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَتَلَهَا، وَالتَّبْوِئَةُ مَصْدَرٌ بَوَّأْته مَنْزِلًا وَبَوَّأْته لَهُ إذَا أَسْكَنْته إيَّاهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ: أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا وَيَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَخْدُمُ مَوْلَاهَا لَا تَكُونُ تَبْوِئَةً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِكَوْنِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَيْلًا وَلَا يَضُرُّ الِاسْتِخْدَامُ نَهَارًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْحُرُّ الْمُتَزَوِّجُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا يَأْتِي جَارٍ فِيهِ تَأَمُّلٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ جَعَلَ مُحَمَّدٌ وَلَدَ الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ حُرًّا بِالْقِيمَةِ كَوَلَدِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِحُرِّيَّتِهِ الْغُرُورُ وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ النِّكَاحِ وَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الرَّقِيقِ كَالْحُرِّ وَكَمَا يَحْتَاجُ الْحُرُّ إلَى حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ فَكَذَا الْمَمْلُوكُ بَلْ حَاجَتُهُ أَظْهَرُ إذْ رُبَّمَا يَتَطَرَّقُ بِهِ لِحُرِّيَّةِ نَفْسِهِ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِحُرِّيَّةِ الزَّوْجِ وَرِقِهِ فِي رِقِّ الْوَلَدِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ رِقِّهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا وَحَكَمَا بِرِقِّهِ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ لِتَفَرُّعِ الْوَلَدِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَتَّصِفُ بِصِفَتِهِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ لِلْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ تَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا التَّعْبِيرُ بِرَجُلٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحُرِّ، وَالْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْآنَ) أَيْ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ الضِّمْنِيَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ تَعَلَّقَ فِيهَا حَقُّ الزَّوْجِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَغْرُورُ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَأَوْلَادُهُ أَحْرَارٌ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى شَارِطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَادَ أَحْرَارٌ، وَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهَا أَوْ بَاعَهَا وَلَا يُنَزَّلُ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ صَرِيحًا فِي مَسْأَلَتِنَا عَنْ اشْتِرَاطِهَا مَعْنًى فِي مَسْأَلَةِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ بُضْعَهَا بِهَذَا الشَّرْطِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ بَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَانْتِقَالِهَا إلَى غَيْرِهِ كَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْلِيقُ الْمَعْنَوِيُّ بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقُ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِ الْغَيْرِ مِنْ أَمَةِ الْمُعَلِّقِ (قَوْلُهُ: سَقَطَ مَهْرُهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْوَطْءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِي الِاصْطِلَاحِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ غَيْرُ وَاقِعٍ وَتَسْلِيمُهَا إلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ وَاجِبٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ، وَالتَّبْوِئَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَإِقْدَامُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ بِهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ وَطْئِهِ إيَّاهَا مَتَى ظَفَرَ يَتَوَفَّرُ مُقْتَضَاهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَافٍ فِي التَّسْلِيمِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ التَّبْوِئَةُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّسْلِيمِ لِيَتَحَقَّقَ بِدُونِهَا بِأَنْ قِيلَ مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئْتهَا وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُدْخِلَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ اهـ.

وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا جَمَعَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بَيْنَ مَا فِي الدِّرَايَةِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْفِيِّ التَّبْوِيَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>